نفي الغلول عنهم بكلام الله تعالى فوجب انتفاء تعمد الذنوب عنهم بصحة الإجماع على أنها سواء والغلول. وقال عزوجل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [سورة الجاثية آية رقم ٢١].
قال أبو محمد : فلا يخلو مخالفنا الذي يجيز أن يكون الأنبياء عليهمالسلام قد اجترحوا السيئات من أحد وجهين لا ثالث لهما :
إما أن يقول : إن في سائر الناس من لم يعص قط ولا اجترح سيئة. قيل له : فمن هؤلاء الذين نفى الله عزوجل عنهم أن يكون الذين اجترحوا السيئات مثلهم؟ إذ كانوا غير موجودين في العالم ، فلا بد من أن يجعل كلام الله عزوجل هذا فارغا لا معنى له ، وهذا كذب من قائله. أو يقول هم الملائكة فإن قال ذلك رد قوله هذا قول الله تعالى في الآية نفسها (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
ولا نص ولا إجماع على أن الملائكة تموت ولو جاء بذلك نص لقلنا به ، بل البرهان موجب أن لا يموتوا لأن الجنة دار لا موت فيها ، والملائكة سكان الجنات فيها خلقوا وفيها يخلدون أبدا ، وكذلك الحور العين. وأيضا فإن الموت إنما هو فراق النفس للجسد المركب ، وقد نص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن الملائكة خلقوا من نور فليس فيها شيء يفارق شيئا فيسمى موتا ، فإن اعترض معترض بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [سورة آل عمران آية رقم ١٨٥] لزمه إن حمل هذه الآية على عمومها أن الحور العين يمتن فيجعل الجنة دار الموت ، وقد أبعد الله تعالى ذلك قال الله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [سورة العنكبوت آية رقم ٦٤].
فعلمنا بهذا النص أن قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) إنما عنى به من كان في غير الجنة من الجن والإنس وسائر الحيوان المركب الذي يفارق روحه جسده. وبالله تعالى التوفيق.
ويرد أيضا قوله إن قال بهذا قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من أحد إلا وقد ألمّ أو كاد إلا يحيى بن زكريا» (١) أو يقول إن في الناس من لم يجترح سيئة قط وإن من اجترح السيئات لا يساويهم كما قال عزوجل ، فإن قال ذلك فإن الأنبياء عليهمالسلام عنده يجترحون السيئات وفي سائر الناس من لا يجترحها ، فوجب أن يكون في الناس
__________________
(١) تقدم تخريجه.