من هو أفضل من الأنبياء عليهمالسلام وهذا كفر مجرد وما قدرنا أن أحدا ممن ينتمي إلى الإسلام ولا إلى أهل الكتاب ينطق لسانه بهذا حتى رأينا للمعروف بابن الباقلاني فيما ذكر عنه صاحبه أبو جعفر السمناني قاضي الموصل أنه قد يكون في الناس بعد النبي صلىاللهعليهوسلم من هو أفضل من النبي صلىاللهعليهوسلم من حين يبعث إلى حين يموت ، فاستعظمنا ذلك ، وهذا شرك مجرد ، وقدح في النبوة لا خفاء به ، وقد كنا نسمع عن قوم من الصوفية أنهم يقولون : إن الولي أفضل من النبي ، وكنا لا نحقق هذا على أحد يدين بدين الإسلام إلى أن وجدنا هذا الكلام كما أوردنا فنعوذ بالله من الارتداد بعد الإيمان.
قال أبو محمد : ولو أن هذا الضال المضل يدري ما معنى لفظة أفضل ، ويدري فضيلة النبوة ، لما انطلق لسانه بهذا الكفر وهذا تكذيب للنبي صلىاللهعليهوسلم إذ يقول : «إني لأتقاكم لله» (١) و «إني لست كهيئتكم وإني لست مثلكم». (٢)
فإذا قد صح بالنص أن في الناس من لم يجترح سيئة ، وأن من اجترح السيئات لا يساويهم عند الله عزوجل ، فالأنبياء عليهمالسلام أحق بهذه الدرجة وبكل فضيلة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام.
يقول الله عزوجل : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [سورة الحج آية رقم ٧٥] فأخبر تعالى أن الرسل صفوته من خلقه.
وقد اعترض علينا بعض المخالفين بأن قال : فما تقول فيمن بلغ فآمن ، وذكر الله مرات ومات إثر ذلك ، أو في كافر أسلم وقاتل مجاهدا فقتل ..؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن نقول : أما من كان كافرا ثم أسلم فقد اجترح من السيئات بكفره ما هو أعظم من السموات والأرض ، وإن كان قد غفر له بإيمانه ، ولكن قد حصل بلا شك
__________________
(١) راجع الحاشية ٢ ص ٣١.
(٢) رواه البخاري في الصوم باب ٢٠ (حديث رقم ١٩٢٢) عن عبد الله بن عمر : أن النبي صلىاللهعليهوسلم واصل ، فواصل الناس ، فشقّ عليهم ، فنهاهم ، قالوا : إنك تواصل؟ قال : «لست كهيئتكم ، إني أظلّ أطعم وأسقى». ورواه أيضا برقم (١٩٦٢). ورواه أيضا برقم (١٩٦١) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تواصلوا» قالوا : إنك تواصل؟ قال : «لست كأحد منكم ، إني أطعم وأسقى» أو «إني أبيت أطعم وأسقى» ورواه أيضا برقم (١٩٦٧) عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السّحر». قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال : «لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني». ورواه أيضا مسلم في الصيام (حديث ٥٥ ، ٦١) ومالك في الصيام (حديث ٣٨) وأحمد في المسند (٢ / ١٢٨ ، ١٥٣ ، ١٧٢ ، ٣ / ٨).