فصح يقينا أنه لو جاز أن يقع من أحد من الأنبياء عليهمالسلام ذنب بعمد صغير أو كبير ، لكان الله عزوجل قد حضنا على المعاصي وندبنا إلى الذنوب ، وهذا كفر مجرد ممن أجازه ، وقد صح يقينا أن جميع أفعال الأنبياء التي يقصدونها خير وحق.
قال أبو محمد : وأيضا فقد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم عظيم إنكاره على ذي الخويصرة لعنه الله ولعن أمثاله ، إذ قال الكافر : اعدل يا محمد ، إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ويحك من يعدل إذا أنا لم أعدل أيأمنني الله ولا تأمنوني» ..؟ (١)
وقوله عليهالسلام لأم سلمة أم المؤمنين إذ سألته عن الذي قبل امرأته في رمضان : «ألا أخبرتها أني فعلت ذلك» ..؟ (٢) وغضب عليهالسلام إذ قال له : لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (٣).
فأنكر عليهالسلام إذ جعل له ذنبا بعمد وإن صغر. وقال له عليهالسلام : إني والله لأعلمكم بالله وأتقاكم لله أو كلاما هذا معناه.
فإن قال قائل : فهلا نفيتم عنهم عليهمالسلام السهو بدليل الندب إلى الائتساء بهم عليهمالسلام. قلنا وبالله تعالى التوفيق :
إنكار ما ثبت كإجازة ما لم يثبت ، سواء بسواء ولا فرق ، والسهو منهم قد ثبت بيقين. وأيضا فإن ندب الله تعالى لنا إلى الائتساء بهم عليهمالسلام لا يمنع من وقوع السهو منهم ، لأن الائتساء بالسهو لا يمكن إلا بسهو منا ، ومن المحال أن نندب إلى السهو أو نكلف السهو ، لأننا لو قصدنا إليه لم يكن حينئذ سهوا ، ولا يجوز أيضا أن
__________________
(١) جزء من حديث رواه البخاري في المناقب باب ٢٥ (حديث رقم ٣٦١٠) عن أبي سعيد الخدري قال : بينما نحن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بني تميم ـ فقال : يا رسول الله اعدل! فقال : «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال : «دعه ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ...» الحديث. ورواه أيضا في الأدب ٩٥ ، واستتابة المرتدين باب ٧. ورواه مسلم في الزكاة (حديث ١٤٢ و ١٤٨) وابن ماجة في المقدمة باب ١٢ ، وأحمد في المسند (٣ / ٥٦ ، ٦٥ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥).
(٢) رواه مالك في الموطأ (كتاب الصيام ، باب ٥ ، حديث ١٣) والشافعي في الرسالة (رقم ١١٠٩).
(٣) تقدم تخريجه. انظر الفهارس العامة.