والفرق بين الأمرين واضح ، وهو أن كل من خالف النبي صلىاللهعليهوسلم فلا برهان له أصلا ، فكلف المجيء بالبرهان تبكيتا وتعجيزا إن كانوا صادقين وليسوا صادقين فلا برهان لهم ، وأما من اتبع ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد اتبع الحق الذي قامت البراهين بصحته هنا ودان بالصدق الذي قامت الحجة البالغة بوجوبه ، فسواء علم هو بذلك البرهان أو لم يعلم حسبه أنه على الحق الذي صح بالبرهان ، ولا برهان على ما سواه فهو محق مصيب والحمد لله رب العالمين ..
وأما قولهم : ما لم يكن علما فهو شك وظن ، والعلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو استدلال.
قالوا : والديانات لا تعرف صحتها بالحواس ولا بضرورة العقل ، فصح أنه لا تعرف صحتها إلا بالاستدلال فإن لم يستدل المرء فليس عالما ، وإذا لم يكن عالما فهو جاهل شاك ، أو ظان ، وإذا كان لا يعلم الدين فهو كافر.
قال أبو محمد : فهذا ليس كما قالوا لأنهم قضوا قضية باطلة فاسدة بنوا عليها هذا الاستدلال ، وهو إقحامهم في حد العلم قولهم عن ضرورة واستدلال ، فهذه زيادة فاسدة لا نوافقهم عليها ، ولا جاء بصحتها قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا لغة ، ولا طبيعة ، ولا قول صاحب.
وحد العلم على الحقيقة : أنه اعتقاد الشيء على ما هو به فقط ، فكل من اعتقد شيئا ما على ما هو به ولم يخالجه شك فيه فهو عالم به ، وسواء كان عن ضرورة حس ، أو عن بديهة عقل ، أو عن برهان استدلال ، أو عن تيسير الله عزوجل له وخلقه لذلك المعتقد في قلبه ، ولا مزيد.
ولا يجوز البتة أن يكون محققا في اعتقاد شيء كما هو ذلك الشيء وهو غير عالم به ، وهذا تناقض وفساد وتعارض وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولهم في حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مساءلة الملك فلا حجة لهم فيه ، بل هو حجة عليهم كما هو ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما قال فيه : «فأما المؤمن أو الموقن فيقول هو رسول الله».
ولم يقل عليه الصلاة والسلام فأما المستدل ، فحسبنا فوز المؤمن الموقن كيف كان إيمانه ويقينه.
وقال عليه الصلاة والسلام : «أما المنافق أو المرتاب» ولم يقل غير المستدل «فيقول : سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» فنعم هذا قولنا لأن المنافق والمرتاب ليسا