الموافاة
قال أبو محمد : اختلف المتكلّمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهم أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتدا كافرا وآخر كافر متمرد ، أو فاسق ، ثم مات مسلما تائبا : كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى.؟
فذهب هشام بن عمرو الفوطي وجميع الأشعرية ، إلى أن الله عزوجل لم يزل راضيا عن الذي مات مسلما تائبا ، ولم يزل ساخطا على الذي مات كافرا أو فاسقا.
واحتجوا في ذلك بأن الله عزوجل لا يتغير علمه ، ولا يرضى ما سخط ، ولا يسخط ما رضي.
وقالت الأشعرية : الرضا من الله عزوجل والسخط منه تعالى من صفات الذات لم يزالا ولا يتغيران ، وذهب سائر المسلمين إلى أن الله عزوجل كان ساخطا على الكافر والفاسق ، ثم رضي الله عنهما إذ أسلم الكافر ، وتاب الفاسق. وأنه تعالى كان راضيا عن المسلم وعن الصالح ثم سخط عليهما إذ كفر المسلم وفسق الصالح.
قال أبو محمد : احتجاج الأشعرية هاهنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرق ، ونحن نبين بطلان احتجاجهم ، وبطلان قولهم ، وبالله تعالى التوفيق ، فنقول وبالله عزوجل نتأيد :
أما قولهم : إن علم الله عزوجل لا يتغير فصحيح ، ولكن معلوماته تتغير ، ولم نقل إن علمه يتغير ، ومعاذ الله من هذا ، ولم يزل علمه تعالى واحدا يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته.
فلم يزل يعلم أن زيدا سيكون صغيرا ، ثم شابا ثم كهلا ، ثم شيخا ، ثم ميتا ، ثم مبعوثا ، ثم في الجنة ، أو في النار ، ولم يزل يعلم أنه سيؤمن ثم يكفر ، أو أنه يكفر ثم يؤمن ، أو أنه يكفر ولا يؤمن ، أو أنه يؤمن ولا يكفر.
وكذلك القول في الفسق والصلاح ، ومعلوماته تعالى في كل ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات.