قال أبو محمد : وحمل الكلام على ظاهره الذي وضع له في اللغة فرض لا يجوز تعديه إلا بنصّ أو إجماع ، لأن من فعل ذلك فقد أفسد الحقائق كلها والشرائع كلها والمعقول كله. فإن قالوا إنّ حمل الكلام على المعهود أولى من حمله على غير المعهود. قيل لهم الأولى في ذلك حمل الأمور على معهودها في اللغة ، ما لم يمنع من ذلك نصّ أو إجماع أو ضرورة ، ولم يأت نصّ ولا إجماع ولا ضرورة تمنع مما ذكرنا في معنى النظر فقد وافقنا المعتزلة على أنه لا عالم عندنا إلا بضمير ولا فعّال إلا بمعاناة ، ولا رحيم إلا برقة. ثم أجمعوا معنا على أن الله تعالى عالم بكل ما يكون بلا ضمير ، وأنه عزوجل فعّال بلا معاناة ، ورحيم بلا رقة. فأيّ فرق بين تجويزهم ما ذكرنا وبين عدم تجويزهم رؤية ونظرا ، بقوة غير القوة المعهودة لو لا الخذلان ومخالفة القرآن والسنن نعوذ بالله من ذلك.
وقد قال بعض المعتزلة : أخبرونا إذا رؤي الباري تعالى أكلّه يرى أم بعضه؟
قال أبو محمد : وهذا سؤال تعلموه من الملحدين إذ سألونا نحن والمعتزلة فقالوا : إذا علمتم الله تعالى أكله تعلمونه أم بعضه ..؟
قال أبو محمد : هذا سؤال فاسد مغالط به لأنهم أثبتوا كلّا وبعضا حيث لا كلّ ولا بعض. والبعض والكل لا يقعان إلا في ذي نهاية ، والباري تعالى خالق النهاية والمتناهي فهو تعالى لا متناه ولا نهاية له فلا كلّ له ولا بعض.
قال أبو محمد : الآية المذكورة والأحاديث الصحاح المأثورة في رؤية الله تعالى يوم القيامة موجبة للقبول ، لتظاهرها وتباعد ديار الناقلين لها ، ورؤية الله عزوجل يوم القيامة كرامة للمؤمنين لا حرمنا ذلك الله من فضله ، ومحال أن تكون هذه الرؤية رؤية القلب لأن العارفين به تعالى يرونه في الدنيا بقلوبهم ، وكذلك الكفار في الآخرة بلا شك. فإن قال قائل إنما أخبر الله تعالى بالرؤية عن الوجه. قيل له وبالله تعالى التوفيق : معروف في اللغة التي خوطبنا بها أن تنسب الرؤية إلى الوجه والمراد بها العين. قال بعض الأعراب :
أنافس من ناجاك مقدار لفظة |
|
وتعتاد نفسي إن نأت عنك عينها |
وإنّ وجوها يصطبحن بنظرة |
|
إليك لمحسود عليك عيونها |
الكلام في القرآن وهو القول في كلام الله تعالى
قال أبو محمد : واختلفوا في كلام الله عزوجل بعد أن أجمع جميع أهل الإسلام كلهم على أن لله تعالى كلاما ، وعلى أن الله تعالى كلّم موسى عليهالسلام ،