الكلام في من لم تبلغه الدعوة ومن تاب عن ذنبه
أو كفر ثم رجع فيما تاب عنه
قال أبو محمد : قال الله عزوجل : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [سورة الأنعام آية رقم ١٩].
وقال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء آية رقم ١٥].
فنص تعالى على أن النذارة لا تلزم إلا من بلغته لا من لم تبلغه ، وأنه تعالى لا يعذب أحدا حتى يأتيه رسول من عند الله عزوجل.
فصح بذلك أنّ من لم يبلغه الإسلام أصلا فإنه لا عذاب عليه.
وهكذا جاء النص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنه يؤتى يوم القيامة بالشيخ الخرف ، والأصلح الأصم ، ومن كان في الفترة والمجنون ، فيقول المجنون : يا رب أتاني الإسلام وأنا لا أعقل ، ويقول الخرف الأصم والذي في الفترة أشياء ذكرها ، فيوقد لهم نار ، ويقال لهم ادخلوها ، فمن دخلها وجدها بردا وسلاما» (١) وكذلك من لم يبلغه الباب من واجبات الدين فإنه معذور لا ملامة عليه وقد كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم بأرض الحبشة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة والقرآن ينزل والشرائع تشرع ، فلا يبلغ إلى جعفر وأصحابه أصلا ، لانقطاع الطريق جملة من المدينة إلى أرض الحبشة ، وبقوا كذلك ست سنين فما ضرهم ذلك في دينهم شيئا إذ عملوا بالمحرم وتركوا المفروض.
قال أبو محمد : ورأيت قوما يذهبون إلى أن الشرائع لا تلزم من كان جاهلا بها ولا من لم تبلغه.
قال أبو محمد : وهذا باطل بل هي لازمة له لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إلى الإنس كلهم ، وإلى الجن كلهم ، وإلى كل من لم يولد إذا بلغ بعد الولادة.
__________________
(١) رواه الإمام أحمد في المسند (٤ / ٢٤ ، ٥٠).