وأما قولهم : ينبغي أن تصلوا على أطفال المشركين ، وتورثوهم وترثوهم ، وأن لا تتركوهم يلتزمون دين آبائهم إذا بلغوا فإنها ردة. فليس لهم أن يعترضوا على الله تعالى ، فليس تركنا للصلاة عليهم يوجب أنهم ليسوا مؤمنين ، فهؤلاء الشهداء وهم أفاضل المؤمنين لا يصلى عليهم ، وأما انقطاع المواريث بيننا وبينهم فلا حجة في ذلك على أنهم ليسوا مؤمنين ، فإن العبد مؤمن فاضل لا يرث ولا يورث ، وقد يأخذ المسلم مال عبده الكافر إذا مات ، وكثير من الفقهاء يورثون الكافر مال العبد من عبيده يسلم ثم يموت قبل أن يباع عليه ، وكثير من الفقهاء يورثون المسلمين مال المرتد إذا مات كافرا مرتدا أو قتل على الردة ، وهذا معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومسروق بن الأجدع وغيرهم من الأئمة رضي الله عنهم يورثون المسلمين من أقاربهم الكفار إذا ماتوا ، ولله تعالى أن يفرق بين أحكام من شاء من عباده ، وإنما نقف حيث أوقفنا النص ولا مزيد ، وكذلك دفنهم في مقابر آبائهم أيضا ، وكذلك تركهم يخرجون إلى أديان آبائهم إذا بلغوا ، فإن الله تعالى أوجب علينا أن نتركهم وذلك ، ولا نعترض على أحكام الله عزوجل و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [سورة الأنبياء آية رقم ٢٣].
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الملّة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه ويشرّكانه». (١)
قال أبو محمد : فبطل أن يكون لهم في شيء مما ذكرنا متعلق ، وإنما هو تشغيب موهوا به ، لأن كل ما ذكرنا فإنما هي أحكام مجردة فقط ، وليس في شيء من هذه الاستدلالات نص على أن أطفال المشركين كفار ولا على أنهم غير كفار ، وهتان النكتتان هما اللتان قصدنا بالكلام فقط ، وبالله تعالى التوفيق. وأما من قال فيهم بالوقف فإنهم احتجوا بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ سئل عن الأطفال يموتون فقال عليهالسلام : «الله أعلم بما كانوا عاملين». (٢)
وبقوله صلىاللهعليهوسلم لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ مات صبي من أبناء الأنصار فقالت : عصفور من عصافير الجنّة. فقال لها عليهالسلام : «وما يدريك يا عائشة ..؟ إنّ
__________________
(١) رواه من طرق : البخاري في الجنائز باب ٨٠ و ٩٣ ، وتفسير سورة ٣٠ باب ١ ، والقدر باب ٣. ومسلم في القدر حديث ٢٢ ـ ٢٥. وأبو داود في السنّة باب ١٧. والترمذي في القدر باب ٥. ومالك في الجنائز حديث ٥٢. وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٣ ، ٢٥٣ ، ٢٧٥ ، ٢٨٢ ، ٣١٥ ، ٣٤٧ ، ٤١٠ ، ٤٨١ ، ٣ / ٤٣٥ ، ٤ / ٢٤).
(٢) رواه أبو داود في السنّة باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٦ / ٨٤).