يعملوه بعد ، وفي هذا اختلفنا لا فيما عداه ، وإنما فيه أن الله تعالى يعلم ما لم يكن وما لا يكون لو كان كيف كان يكون فقط ، ونعم هذا حق لا يشك فيه مسلم فبطل أن يكون لأهل التوقف حجة في شيء من هذين الخبرين إذ صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه المسألة بيان.
وأما من قال إنهم يعذبون بعذاب آبائهم فباطل ، لأن الله تعالى يقول : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام آية رقم ١٦٤].
وأما من قال إنه توقد لهم نار فباطل ، لأن الأثر الذي فيه هذه القصة إنما جاء في المجانين وفي من لم يبلغه ذكر الإسلام من البالغين على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد : فلما بطلت هذه الأقاويل كلها وجب النظر فيما صح من النصوص من حكم هذه المسألة ، ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة الروم آية رقم ٣٠].
وقال عزوجل : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) إلى قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) إلى قوله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) [سورة البقرة آية رقم ١٣٦ ـ ١٣٨].
فنص عزوجل على أنه فطر الناس على الإيمان وأن الإيمان هو صبغة الله تعالى ، وقال عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [سورة الأعراف آية رقم ١٧٢].
فصح يقينا أن كل نفس خلقها الله تعالى من بني آدم ومن الجن والملائكة فمؤمنون كلهم عقلا مميزون ، فإذ ذلك كذلك فقد استحقوا كلهم الجنة بإيمانهم ، حاشا من بدل هذا العهد ، وهذه الفطرة ، وهذه الصبغة ، وخرج عنها إلى غيرها ومات على التبديل ، وبيقين ندري أن الأطفال لم يغيروا شيئا من ذلك فهم من أهل الجنة ، وصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كلّ مولود يولد على الفطرة» وروي عنه عليهالسلام أنه قال : «على الملّة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه ويشرّكانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل يجدون فيها من جدعاء؟ حتّى تكونوا أنتم الّذين تجدعونها» (١).
__________________
(١) تقدم تخريجه.