الكلام في القيامة وبعث الأجساد
قال أبو محمد : اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة وعلى تكفير من أنكر ذلك ، ومعنى هذا القول أن لمكث الناس وتناسلهم في دار الابتلاء التي هي الدنيا أمدا يعلمه الله تعالى ، فإذا انتهى ذلك الأمد مات كل من في الأرض ثم يحيي الله عزوجل كل من مات مذ خلق الله عزوجل الحيوان إلى انقضاء الأمد المذكور ، ورد أرواحهم التي كانت بأعيانها إلى أجسادها وجمعهم في موقف واحد وحاسبهم عن جميع أعمالهم ووفاهم جزاءهم ففريق من الجن والإنس في الجنة ، وفريق في السعير ، وبهذا جاء القرآن والسنن ، قال تعالى : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [سورة يس آية رقم ٧٨].
وقال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [سورة الحج آية رقم ٧].
وقال تعالى عن إبراهيم عليهالسلام أنه قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) إلى آخر الآية [سورة البقرة آية رقم ٢٦٠].
وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) [سورة البقرة آية رقم ٢٤٣].
وقال تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) إلى قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ...) الآية [سورة البقرة آية رقم ٢٥٩].
وقال تعالى عن المسيح عليهالسلام : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) [سورة آل عمران آية رقم ٤٩] ولا يمكن البتة أن يكون الإحياء المذكور في جميع هذه الآيات إلا رد الروح إلى الجسد ، ورجوع الحس والحركة الإرادية التي بعد عدمها منه لم يكن غير هذا البتة ، إلا أن أبا العاص الحكم بن منذر بن سعيد القاضي أخبرني عن إسماعيل بن عبد الله الرعيني ، أنه كان ينكر بعث الأجساد ويقول إن النفس حال فراقها الجسد تصير إلى معادها في الجنة أو النار ، ووقفت على هذا القول بعض العارفين بإسماعيل فذكر لي ثقتان منهم أنهما سمعاه يقول إن الله تعالى يأخذ من الأجساد جزء الحياة منها.
قال أبو محمد : وهذا تلبيس من القول لم يخرج به عما حكى لي عنه حكم بن المنذر لأنه ليس في الأجساد جزء الحياة إلا النفس وحدها.