الكلام في خلق الجنة والنار
قال أبو محمد : ذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أن الجنة والنار لم يخلقا بعد. وذهب جمهور المسلمين إلى أنهما قد خلقتا ، وما نعلم لمن قال إنهما لم يخلقا بعد حجة أصلا أكثر من أن بعضهم قال : قد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال وذكر أشياء من أعمال البر «من عملها غرست له في الجنة كذا وكذا شجرة» وبقول الله تعالى حاكيا عن امرأة فرعون أنها قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) [سورة التحريم آية رقم ١١].
قالوا : ولو كانت مخلوقة لم يكن في الدعاء لاستئناف البناء والغرس معنى.
قال أبو محمد : وإنما قلنا إنهما مخلوقتان على الجملة كما أن الأرض مخلوقة ثم يحدث الله تعالى فيها ما يشاء من نبات.
قال أبو محمد : والبرهان على أنهما مخلوقتان بعد إخبار النبي صلىاللهعليهوسلم أنه رأى الجنة ليلة الإسراء ، وأخبر عليهالسلام أنه رأى سدرة المنتهى في السماء السادسة ، وقال تعالى (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [سورة النجم آية رقم ١٤ و ١٥].
فصح أن جنة المأوى هي السماء السادسة ، وقد أخبر الله عزوجل أنها الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة ، فقال تعالى : (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة السجدة آية رقم ١٩] فليس لأحد بعد هذا أن يقول إنها جنة غير جنة الخلد.
وأخبر عليهالسلام أنه رأى الأنبياء عليهمالسلام في السموات سماء سماء ، ولا شك في أن أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الجنة.
فصح أن الجنات هي السموات.
وكذلك أخبر عليهالسلام أن الفردوس الأعلى من الجنة التي أمرنا الله تعالى أن نسأله إياها فوقها عرش الرحمن ، (١) والعرش مخلوق بعد الجنة فالجنة مخلوقة ، وكذلك
__________________
(١) رواه البخاري في الرقاق باب ٥١ ، والجهاد باب ١٤ ، والمغازي باب ٩ ، وأحمد في المسند (٣ / ١٢٤ ، ٢١٠).