الكلام في بقاء الجنة والنار أبدا
قال أبو محمد : اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ، ولا لنعيمها ، ولا للنار ، ولا لعذابها ، إلا جهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض ، فأما جهم فقال : إن الجنة والنار يفنيان ويفني أهلهما ، وقال أبو الهذيل : إن الجنة والنار لا يفنيان ولا يفنى أهلهما ، إلا أن حركاتهم تفنى ، ويبقون بمنزلة الجماد لا يتحركون وهم في ذلك أحياء متلذذون أو معذبون.
وقالت تلك الطائفة من الروافض : إن أهل الجنة يخرجون من الجنة ، وكذلك أهل النار من النار إلى حيث شاء الله.
قال أبو محمد : أما هذه المقالة ففي غاية الغثاثة ، والتعري من شيء يشغب به ، فكيف من إقناع أو برهان ، وما كان هكذا فهو ساقط.
وأما قول أبي الهذيل فإنه لا حجة له إلا أنه قال : كلّ ما أحصاه العدد فهو ذو نهاية لا بد ، فالحركات ذات عدد فهي متناهية.
قال أبو محمد : فظن أبو الهذيل لجهله بحدود الكلام وطبائع الموجودات أن ما لم يخرج إلى الفعل فإنه يقع عليه العدد ، وهذا خطأ فاحش ما لم يخرج إلى الفعل فليس شيئا ، ولا يجوز أن يقع العدد إلا على شيء ، وإنما يقع العدد على ما خرج إلى الفعل من حركات أهل النار والجنة متى ما خرج فهو محدود متناه وهكذا أبدا.
وقد أحكمنا هذا المعنى في أول هذا الكتاب في باب إيجاب حدوث العالم ، وتناهي الموجودت ، فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق.
فبطل ما موه به أبو الهذيل ولله الحمد.
ثم نقول إن قوله هذا خلاف للاجماع المتيقن.
وأيضا فإنّ الذي فر منه في الحركات فإنه لازم له في مدد سكونهم وتنعمهم وتألمهم ، لأنه مقر بأنهم يبقون ساكنين متنعمين أو متألمين بالعذاب ، وبالضرورة ندري أن للسكون والنعيم والعذاب مددا يعد كل ذلك كما تعد الحركة ومددها ولا فرق.