رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أمر بتعاهد القرآن وقال عليهالسلام إنه أشدّ تفصّيا من صدور الرجال من النعم من عقلها (١). وقال تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [سورة العنكبوت : ٤٩] فالذي في صدور الرجال هو القرآن وهو كلام الله عزوجل حقيقة لا مجازا ، ونقول كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن آية الكرسي أعظم آية في القرآن» (٢) و «إنّ أم القرآن فاتحة الكتاب المنزل في القرآن وليس في التوراة ولا في الإنجيل مثلها» (٣) و «إنّ قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» (٤). وقال الله عزوجل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) [سورة البقرة : ١٠٦].
فإن قالوا إنما يتفاضل الأجر على قراءة كل ذلك. قلنا لهم نعم ولا شك في ذلك ولا يكون التفاضل في شيء مما فيه التفاضل إلا في الصفات التي هي أعراض
__________________
(١) رواه من حديث ابن مسعود البخاري في فضائل القرآن باب ٢٣. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ٢٢٨ و ٢٢٩. والترمذي في القرآن باب ٨. والنسائي في الافتتاح باب ٣٧. والدارمي في الرقاق باب ٣٢ ، وفضائل القرآن باب ٤. وأحمد في المسند (١ / ٣٨٢ ، ٤١٧ ، ٤٢٣ ، ٤٣٩ ، ٤٦٣). وقوله : «أشدّ تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها» قال أهل اللغة : التفصّي الانفصال. والنعم : أصلها الإبل والبقر والغنم ، والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل. والعقل (بضم العين والقاف ، ويجوز إسكان القاف) : جمع عقال ، ككتاب وكتب.
(٢) رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (حديث ٢٥٨) وأبو داود في الوتر باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٥ / ١٤٢) عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا المنذر أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال : قلت : الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم. قال : فضرب في صدري وقال : «والله ، ليهنك العلم أبا المنذر!».
(٣) رواه الترمذي في ثواب القرآن (باب ١) : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج علي أبيّ بن كعب وهو يصلّي ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبيّ!» فالتفت أبيّ فلم يجبه ، وصلّى وخفف ثم انصرف فقال : السلام عليك يا رسول الله. قال : «وعليك السلام! ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك؟» قال : كنت في صلاة. قال : «أفلم تجد فيما أوحي إليّ أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟» قال : لا أعود إن شاء الله. قال : «تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟» قال : نعم. قال : «كيف تقرأ في الصلاة؟» فقرأ أم القرآن ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته».
(٤) رواه البخاري فضائل القرآن باب ١٣. وأبو داود في الوتر باب ١٨. والترمذي في ثواب القرآن باب ١٠ و ١١. والنسائي في الافتتاح باب ٦٩. وابن ماجة في الأدب باب ٥٢. ومالك في القرآن (حديث ١٧) : عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يردّدها. فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له. وكأن الرجل يتقالّها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».