في الموصوف بها وأما في الذوات فلا نقول أيضا إن القرآن هو كلام الله تعالى وهو علمه وليس هو شيئا غير الباري تعالى ، برهان ذلك قول الله عزوجل (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) [سورة يونس : ١٩].
وقال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [سورة الأنعام : ١١٥].
وباليقين يدري كل ذي حس سليم أنما عنى سابق علمه الذي سلف فيما ينفذه ويقضيه.
قال أبو محمد : فهذه خمسة معان يعبّر عن كل معنى منها بأنه قرآن ، وبأنه كلام الله تعالى ، ويخبر عن كل واحد منها أخبارا صحيحة بأنه قرآن ، وبأنه كلام الله تعالى بنص القرآن والسنة اللذين أجمع عليهما جميع الأمة ، وأما الصّوت فهو هواء يندفع من الحلق والصدر والحنك واللسان والأسنان والشفتين إلى آذان السامع. وهو حروف الهجاء ، والهواء وحروف الهجاء وكل ذلك مخلوق بلا خلاف. وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [سورة إبراهيم : ٤].
وقال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [سورة الشعراء : ١٩٥].
ولسان العربي ، ولسان كل قوم هي لغتهم واللسان واللغات كل ذلك مخلوق بلا شك والمعاني المعبّر عنها بالكلام المؤلف من الحروف المؤلفة إنما هي الله تعالى والملائكة والمؤمنون وسماوات وأرضون وما فيهما من الأشياء وصلاة وزكاة ، وذكر أمم خالية ، والجنّة والنار ، وسائر الطاعات والمعاصي ، كل ذلك مخلوق حاشا الله تعالى وحده لا شريك له ، خالق كل ما دونه ، وأمّا المصحف ، فإنّما هو ورق من جلود الحيوان ، ومركب منها ومن مداد مؤلف من صمغ ، وزاج ، وعفص (١) وماء ، وكل ذلك مخلوق بلا شك ، وكذلك حركة اليد في خطه ، وحركة اللسان في قراءته ، واستقرار كل ذلك في النفوس ، هذه كلها أعراض مخلوقة ، وكذلك عيسى عليهالسلام كلمة الله ، وهو مخلوق بلا شك ، قال الله تعالى : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة آل عمران : ٤٥].
وأما علم الله تعالى فلم يزل وهو كلام الله تعالى وهو القرآن وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى أصلا. ومن قال إن شيئا غير الله تعالى لم يزل مع الله تعالى
__________________
(١) العفص : شجرة البلوط ، وثمرها ، وربما اتخذوا منه حبرا أو صبغا (المعجم الوسيط : ٢ / ٦١١).