فقد جعل لله تعالى شريكا ونقول إن لله تعالى كلاما حقيقة وإنه تعالى كلّم موسى ، ومن كلم من الملائكة والأنبياء عليهمالسلام تكليما حقيقة لا مجازا ، ولا يجوز أن يقال البتة إن الله تعالى متكلم ، لأنه لم يسم بذلك نفسه ومن قال إن الله تعالى مكلم موسى لم ننكره لأنه يخبر عن فعله تعالى الذي لم يكن ثم كان. ولا يحل لأحد أن يقول إنما قلنا إن لله تعالى كلاما لنفي الخرس عنه كما ذكرنا قبل من أنه إن كان يعني الخرس المعهود فإنه لا ينتفي إلا بالكلام المعهود الذي هو حركة اللسان والشفتين. وإن كان إنما ينفي خرسا غير معهود فهذا لا يعقل أصلا ولا يفهم. وأيضا فيلزمه أن نسميه تعالى شمّاما لنفي الخشم ومتحركا لنفي الخدر عنه ، وهذا إلحاد في أسمائه تعالى ، لكن لما قال تعالى إن كلاما ما قلناه وأقررنا به ولو لم يقله تعالى لم نقله ولم يحل لأحد أن يقوله وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : ولما كان اسم القرآن يقع على خمسة أشياء وقوعا مستويا صحيحا ، منها أربعة مخلوقة وواحد غير مخلوق ، لم يجز لأحد البتة أن يقول القرآن مخلوق ، ولا أن يقول إن كلام الله تعالى مخلوق ، لأن قائل هذا كاذب ، إذا أوقع صفة الخلق على ما لا يقع عليه مما يقع عليه اسم قرآن ، واسم كلام الله عزوجل ، ووجب ضرورة أن يقال إن القرآن لا خالق ولا مخلوق ، وإن كلام الله تعالى لا خالق ولا مخلوق منه ليست خالقه فلا يجوز أن يطلق على القرآن ، ولا على كلام الله تعالى اسم خالق ، ولأن المعنى الخامس غير مخلوق ، ولا يجوز أن يطلق صفة البعض على الكل الذي لا تعمّه تلك الصفة ، بل واجب أن يطلق بغير تلك الصفة التي للبعض عن الكل ، وكذلك لو قال قائل إن الأشياء كلها مخلوقة ، أو قال الحق مخلوق أو قال كل موجود مخلوق ، لقال الباطل لأن الله عزوجل شيء موجود وحق وليس مخلوقا ، لكنه إذا قال : الله خالق كل شيء جاز ذلك لأنه قد أخرج بذكره الله تعالى أنه الخالق كلامه عن الإشكال ، ومثل ذلك فيما بيننا أن ثيابا خمسة ، أربعة منها حمر والخامس غير أحمر لكان من قال هذه الثياب حمر كاذبا ، ولكان من قال هذه الثياب ليست حمرا صادقا وكذلك من قال : الإنسان طبيب يعني كل إنسان لكان كاذبا ، ولو قال : ليس الإنسان طبيبا يعني كل إنسان لكان صادقا ، وكذلك لا يجوز أن يطلق أن الحق مخلوق ، ولا أن العلم مخلوق ، لأن اسم الحق يقع على الله تعالى ، وعلى كل موجود ، واسم العلم يقع على كل علم وعلى علم الله تعالى ، وهو غير مخلوق ، لكن يقال : الحق غير مخلوق ، والعلم غير مخلوق هكذا جملة ، فإذا بيّن فقيل : كل حقّ دون الله تعالى فهو مخلوق ، وكل علم غير علم الله تعالى فهو مخلوق ، فهو كلام صحيح. وهكذا لا