يجوز أن يقال : كلام الله تعالى مخلوق ، ولا أن القرآن مخلوق ، لكن يقال علم الله تعالى غير مخلوق ، وكلام الله تعالى غير مخلوق والقرآن غير مخلوق ، ولو أن قائلا قال إن الله غير مخلوق وهو يعني صوته المسموع الألف واللام واللام والهاء أو الحبر الذي كتب هذه الكلمة لكان في ظاهر قوله عند جميع الأمة كافرا ما لم يبين ، فيقول صوتي أو هذا المكتوب مخلوق.
قال أبو محمد : فهذه حقيقة البيان في هذه المسألة الذي لم نتعدّ فيه ما قاله الله عزوجل ولا ما قاله رسوله صلىاللهعليهوسلم. وأجمعت الأمة كلها على جملته ، وأوجبته الضرورة والحمد لله رب العالمين. فإن سأل سائل عن اللفظ بالقرآن قلنا له سؤالك هذا يقتضي أن اللفظ المسموع هو غير القرآن وهذا باطل بل اللفظ المسموع هو القرآن نفسه ، وهو كلام الله عزوجل نفسه ، كما قال الله تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [سورة التوبة : ٦].
وكلام الله تعالى غير مخلوق لما ذكرنا ، وأمّا من أفرد السؤال عن الصوت ، وحروف الهجاء ، والحبر فكل ذلك مخلوق بلا شك.
قال أبو محمد : ونقول إن الله تعالى قد قاله ما أتى أنه قال ، وأنه تعالى لم يقل بعد ما أتى أنه سيقوله في المستأنف لكنه سيقوله ومن تعدّى هذا فقد أكذب الله تعالى جهارا. وأما من قال إن الله تعالى لم يزل قائلا «كن» لكل ما كونه أو لما يريد تكوينه ، فإن هذا قول فاحش موجب أن العالم لم يزل ، لأن الله تعالى أخبرنا أنه إذا أراد شيئا فإنّما (أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس : ٨٢] فصح أنّ كل مكون فإنه أثر قول الله تعالى له «كن» بلا مهلة ، فلو كان الله تعالى لم يزل قائلا «كن» لكان كل ما يكون لم يزل ، وهذا قول من قال إن العالم لم يزل ، وله مدبر خالق لم يزل ، وهذا كفر مجرد نعوذ بالله منه. وقول الله تعالى هو غير تكليمه ، لأن تكليم الله تعالى من كلّم فضيلة عظيمة.
قال أبو محمد : قال تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
وأما قوله فقد يكون سخطا قال تعالى إنه قال لأهل النار : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [سورة المؤمنون : ١٠٨].
وقال لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [سورة ص : ٧٥].
ولا يجوز أن يقال إبليس كليم الله تعالى ، ولا أن أهل النار كلماء الله تعالى ،