الكلام في إعجاز القرآن
قال أبو محمد : قد ذكرنا قيام البرهان على أن القرآن معجز لا يقدر أحد على مثله قد أعجز الله عن مثل نظمه جميع العرب وغيرهم من الإنس والجن بتعجيز رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس أن يأتوا بمثله ، وتبكيتهم بذلك في محافلهم ، وهذا أمر لا ينكره أحد مؤمن ولا كافر ، وأجمع المسلمون على ذلك. ثم اختلف أهل الكلام على خمسة أنحاء من هذه الرسالة. فالنحو الأول : قول روي عن الأشعري : وهو أن المعجز الذي يتحدى الناس بالمجيء بمثله هو الأول الذي لم يزل مع الله تعالى ولم يفارقه قط ، ولا أنزل إلينا ولا سمعناه. وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان ، إذ من المحال أن يكلف أحد أن يجيء بمثل ما لم يعرفه قط ولا سمعه ، فيلزمه ولا بدّ بل هو نفس قوله إنه إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فإن المسموع المتلوّ عندنا ليس معجزا بل مقدورا عليه ، أو على مثله ، وهذا كفر مجرد ولا خلاف فيه ، وأيضا فإنه خلاف القرآن لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو بعشر سور منه. وكذلك الكلام ليس هو عند الأشعرية سورا ولا هو كثيرا بل هو واحد فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين. وله (١) قول آخر كقول المسلمين : إن المتلو هو المعجز.
والنحو الثاني : هل الإعجاز متماد أم قد ارتفع بتمام قيام الحجة به في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال بعض أهل الكلام إن الحجة قد قامت بعجز جميع العرب عن معارضته ، ولو عورض لم تبطل بذلك الحجة التي قد صحت ، كما أن عصا موسى عليهالسلام إذ قامت حجته بانقلابها حية لم يضره ، ولا أسقط حجته عودها عصا كما كانت. وكذلك خروج يده بيضاء من جيبه ثم عودها كما كانت. وكذلك سائر الآيات. وقال جمهور أهل الإسلام إن إعجاز القرآن باق إلى يوم القيامة ، والآية بذلك باقية إلى يوم القيامة كما كانت ، وهذا هو الحق الذي لا يحل القول بغيره لأنه نص قول الله عزوجل إذ يقول : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الإسراء : ٨٨].
__________________
(١) أي الأشعري.