الكلام في القدر
قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الباب. فذهبت طائفة إلى أن الإنسان مجبر على أفعاله وأنه لا استطاعة أصلا له وهو قول جهم بن صفوان وطائفة من الأزارقة ، وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإنسان ليس مجبرا وأثبتوا له قوة واستطاعة بها يفعل ما اختار فعله. ثم افترقت هذه الطائفة على فرقتين فقالت إحداهما : الاستطاعة التي يكون الفعل بها لا يكون إلا مع الفعل ولا تتقدمه البتة ، وهذا قول طوائف من أهل السنة ومن وافقهم كالنجار (١) والأشعري وأصحابهما ومحمد بن عيسى برغوث (٢) الكاتب ، وبشر بن غياث المريسي ، (٣) وأبي عبد الرحمن العطوي (٤) وجماعة من المرجئة والخوارج ، وهشام بن الحكم وسليمان بن جرير (٥) وأصحابهما. والقول الأول قول جهم
__________________
(١) هو الحسين بن محمد بن عبد الله النجار ، أحد كبار المتكلمين. وقيل : كان يعمل الموازين. وله مناظرة مع النظّام ، فأغضب النظام ، فرفسه ، فيقال : مات منها بعد تعلّل. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٥٤) والفهرست (ص ٢٢٩).
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن عيسى الجهمي الملقب برغوث. أحد من كان يناظر الإمام أحمد وقت البدعة. صنّف كتاب «الاستطاعة» وكتاب «المقالات» وكتاب «الاجتهاد» وكتاب «الردّ على جعفر بن حرب» وكتاب «المضاهاة» قيل : توفي سنة ٢٤٠ ه ، وقيل : سنة ٢٤١. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٥٤).
(٣) هو المتكلم المناظر أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي. كان من كبار الفقهاء ، ثم نظر في الكلام فغلب عليه ، وكان عين الجهمية في عصره وعالمهم. وكفّره عدة. وله تصانيف جمة. توفي سنة ٢١٨ ه وقد قارب الثمانين. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (٧ / ٥٦) والانتصار (١٠ / ٢٠١) ووفيات الأعيان (١ / ٢٧٧) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ١٩٩) وميزان الاعتدال (١ / ٣٢٢) والعبر (١ / ٣٧٣) والوافي بالوفيات (١٠ / ١٥١) ولسان الميزان (٢ / ٢٩) وشذرات الذهب (٢ / ٤٤).
(٤) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية أبو عبد الرحمن العطوي. من شعراء الدولة العباسية. وكان متكلما معتزليّا ، واشتهر في أيام المتوكل. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (٧ / ٦١).
(٥) سليمان بن جرير : أحد الشيعة ، كفّر عثمان بما ارتكب من الأحداث فكفره أهل السنة بتكفير عثمان. وقد ظهر أيام الخليفة المنصور. انظر ترجمته في لسان الميزان (٣ / ٨٠).