فلو لم يكن أحد مستطيعا للصوم إلا حتى يصوم لكان هذا السؤال منه محالا وحاشا له من ذلك.
ومما يبين صحة هذا وأن المراد بكل ما ذكرنا سلامة الجوارح وارتفاع الموانع قول الله عزوجل : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) [سورة القلم : ٤٢ ، ٤٣].
فنص تعالى على أن في عدم السلامة بطلان الاستطاعة وأن وجود السلامة بخلاف ذلك ، فصح أن سلامة الجوارح استطاعة ، وإذ قد صح هذا فبيقين ندري أن سلامة الجوارح يكون بها الفعل وضده ، والعمل وتركه ، والطاعة والمعصية ، لأن كل هذا يكون بصحة الجوارح.
فإن قال قائل : فإن سلامة الجوارح عرض ، والعرض لا يبقى وقتين؟ قيل له : هذه دعوى بلا برهان ، والآيات المذكورات مبطلة لهذه الدعوى وموجبة أن هذه الاستطاعة من سلامة صحة الجوارح وارتفاع الموانع موجودة قبل الفعل ، ثم لو كان ما ذكرنا لما كان فيه دفع لما قاله الله تعالى من ذلك ، ثم وجدنا الله تعالى قد قال : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) [سورة الكهف : ١٠١].
وقال تعالى حاكيا قول الخضر لموسى عليهماالسلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [سورة الكهف : ٦٧]. وقال : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [سورة الكهف : ٨٢].
وعلمنا أن كلام الله عزوجل لا يتعارض ولا يختلف.
قال الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
فأيقنا أن الاستطاعة التي نفاها الله عزوجل هي غير الاستطاعة التي أثبتها ، لا يجوز غير ذلك البتة.
__________________
متتابعين؟» قال : لا. فقال : «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟» قال : لا. قال : فمكث عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلىاللهعليهوسلم بعرق فيه تمر ـ والعرق : المكتل ـ قال : «أين السائل؟» فقال : أنا. قال : «خذها فتصدق به!» فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها ـ يريد الحرّتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : «أطعمه أهلك». رواه البخاري في الصوم باب ٣٠ (حديث ١٩٣٦) ورواه أيضا برقم ١٩٣٧ و ٢٦٠٠ و ٥٣٦٨ و ٦٠٨٧ و ٦١٦٤ و ٦٧٠٩ و ٦٧١٠ و ٦٧١١ و ٦٨٢١. ورواه أبو داود في الصوم باب ٣٧ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٨١ ، ٥١٦).