الكلام في أن تمام الاستطاعة لا يكون
إلا مع الفعل لا قبله
قال أبو محمد : يقال لمن قال : إن الاستطاعة كلها ليست إلا قبل الفعل ، أو أنها قبل الفعل بتمامها ، وتكون أيضا مع الفعل ، أخبرونا عن الكافر هل يقدر قبل أن يؤمن في حال كفره على الإيمان قدرة تامة أم لا؟ وعن تارك الصلاة هل يقدر قدرة تامة على الصلاة في حال تركه لها؟ وعن الزاني هل يقدر عليه في حال زناه على ترك الزنى بأن لا يكون منه الزنا أصلا أم لا ..؟
وبالجملة فالأوامر كلها إنما هي أمر بحركة أو أمر بسكون ، أو أمر باعتقاد إثبات شيء ما أو أمر باعتقاد إبطال شيء ، وهذا كله يجمعه فعل أو ترك ، فأخبرونا هل يقدر الساكن المأمور بالحركة على الحركة في حال السكون ..؟ وهل يقدر المتحرك المأمور بالسكون على السكون في حال الحركة ..؟
وهو مأمور باعتقادات إثباته هل يقدر في حال اعتقاد إثباته على اعتقاد إبطاله أو بالعكس؟ وعن معتقد إثبات شيء ما وهو مأمور باعتقاد إبطاله ، هل يقدر في حال اعتقاده إثباته على اعتقاد إبطاله أم لا ..؟
وعن المأمور بالترك وهو فاعل ما أمر بتركه ، أيقدر على تركه في حال فعله فيكون فاعلا لشيء تاركا لذلك الشيء معا أم لا ..؟
فإن قالوا : نعم هو قادر على ذلك كابروا العيان ، وخالفوا المعقول والحس ، وأجازوا كل طامّة من كون المرء قائما قاعدا مؤمنا كافرا معا وهذا أعظم ما يكون من المحال الممتنع.
وإن قالوا : إنه لا يقدر على ذلك قدرة تامة يكون بها الفاعل لشيء هو فاعل لخلافه ، قالوا الحق ورجعوا إلى أنه لا يستطيع أحد استطاعة تامة يقع بها الفعل إلا حتى يفعله ، وكل هذا حق ، وكل جواب أجابوا به هاهنا فإنما هو إيهام ، ولواذ ومدافعة بالراح ، لأنه إلزام ضروري حسي متيقن لا محيد عنه ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قالوا : لسان نقول إنه يقدر على أن يجمع بين الفعلين المتضادين معا ، ولكنا قلنا إنه قادر على أن يترك ما هو فيه ويفعل ما أمر به.