قال أبو محمد : وهذا نص جليّ على ما قلنا ، وبيان جليّ أن الدلالة لهم على طريق جهنم يحملون إليها ، فهذا هو الهدى لهم إلى تلك الطريق ، ونفى عنهم في الآخرة هدى إلى شيء من الطرق إلا طريق جهنم نعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وقال بعض من يتعسف القول بغير علم : إن قول الله عزوجل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧].
وقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣].
وقوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد : ١٠].
إنما أراد تعالى بكلّ ذلك المؤمنين خاصة.
قال أبو محمد : وهذا باطل لوجهين.
أحدهما : تخصيص الآيات بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل.
والثاني : أن نص الآيات يمنع من التخصيص ولا بد ، وهو أن الله تعالى قال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى).
فرد تعالى الضمير في (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) إلى المهديين أنفسهم ، فصح أن الذين هدوا لم يهتدوا ، وأيضا فإن الله تعالى قال لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة البقرة آية ٢٧٢].
وقال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) [سورة الشورى : آية ٥٢ ، ٥٣].
فصح يقينا أن الهدى الواجب على النبي صلىاللهعليهوسلم هو الدلالة وتعليم الدين وهو غير الهدى الذي ليس هو عليه ، وإنما هو لله تعالى وحده. فإن ذكر ذاكر قوله الله عزوجل : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [سورة الأنفال : ٢٣].
فليس هذا على ما ظنه من لا ينعم النظر ، من أن الله وحده لو أسمعهم لم يسمعوا بذلك ، بل ظاهر الآية مبطل لهذا الظن ، لأن الله تعالى قال : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ).
فصح يقينا أن من علم الله فيهم خيرا أسمعهم ، وثبت أن فيه خيرا ، ثم قال تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ).
فصح يقينا أنه أراد بلا شك : أنه لو أسمعهم لتولّوا عن الكفر ، وهم معرضون