الكلام في الإضلال
قال أبو محمد : قد تلونا من كلام الله تعالى في الباب الذي قبل هذا والباب الذي قبله متصلا به نصوصا كثيرة بأن الله تعالى أضل من شاء من خلقه ، وجعل صدورهم ضيقة حرجة ، فإن اعترضوا بقول الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) [سورة الشعراء : ٩٩].
فلا حجة لهم في هذا لوجوه :
أحدها : أنه قول الكفار قد قالوا الكذب وحكى الله تعالى أنهم يقولون حينئذ (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [سورة الأنعام : ٢٣].
وقال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [سورة الأنعام : ٢٤].
فإن أبوا إلا الاحتجاج بقول الكفار فليجعلوه إلى جنب قول إبليس : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة الحجر : ٣٩].
والوجه الثاني : أنا لا ننكر ضلال المجرمين وإضلال إبليس لهم ، لكنه إضلال آخر غير إضلال الله عزوجل لهم.
والثالث : أنه لا عذر لأحد في أن الله تعالى أضلّه ، ولا لوم على الخالق تعالى في ذلك ، وأما من أضل آخر ممن دون الله تعالى فملوم ، وقد فسر الله تعالى إضلاله لمن يضل كيف هو وتفسيره تعالى ذلك الإضلال أغنانا به عن تفسير الخلعاء العيّارين كالنظام والعلاف وثمامة وبشر بن المعتمر والجاحظ والناشئ (١) ، ومن هنالك من الأحزاب ، ومن تبعهم من الجهال ، فبيّن تعالى في نص القرآن أن إضلاله لمن أضل من عباده إنما هو أن يضيّق صدره عن قبول الإيمان وأن يحرجه حتى لا يرغب في تفهمه والجنوح إليه ، ولا يصبر عليه ، ويوعّر عليه الرجوع إلى الحق حتى يكون كأنه يكلف في ذلك الصعود إلى السماء.
__________________
(١) تقدم التعريف بالمذكورين.