والمعاصي ، وقد قامت البراهين على أن النفس مخلوقة ، وكذلك جميع قواها المنتجة عن قوتيها الأوليين : التمييز والهوى ، وكل ذلك مخلوق مركب في النفس على ما هو عليه فيها ، كل جار على طبيعته المخلوقة مجرى كيفياته بها على ما هي عليه.
فإذ قد صح أن كلّ ذلك خلق الله عزوجل فلا مغلب لبعض ذلك على بعض ، إلا خالق الكل وحده لا شريك له ، وقد نص الله تعالى على ذم النفس جملة ، إلا من رحمها الله تعالى وعصمها.
قال تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) [سورة يوسف : ٥٣].
فأخبر عزوجل بنص ما قلنا أن المرحومة المستثناة لا تأمر بسوء وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [سورة النازعات : ٤٠ ، ٤١].
وذم الله تعالى الهوى في غير موضع من كتابه ، وهذا نص ما قلنا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الكلام في القضاء والقدر
قال أبو محمد : ذهب بعض الناس لكثرة استعمال المسلمين هاتين اللفظتين إلى أن ظنوا أن فيهما معنى الإكراه والإجبار ، وليس كما ظنوا وإنما معنى القضاء في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، وبها نتخاطب ونتفاهم مرادنا أنه الحكم فقط ، لذلك يقولون : القاضي : بمعنى الحاكم ، وقضى الله عزوجل بكذا أي حكم به ، ويكون أيضا بمعنى أمر ، قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [سورة الإسراء : ٢٣].
إنما معناه بلا خلاف أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، ويكون أيضا بمعنى أخبر ، قال تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [سورة الحجر : ٦٦].
بمعنى أخبرنا أن دابرهم مقطوع بالصباح ، وقال تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) [سورة الإسراء : ٤].
أي أخبرناهم بذلك ، ويكون أيضا بمعنى أراد وهو قريب من معنى حكم. قال