إلا بقطعها ، فيأمر أعوانه مختارا لأمره إياهم بقطعها ، وبحسمها بالنار بعد القطع ، ويأمرهم بإمساكه وضبطه ، وأن لا يلتفتوا إلى صياحه ولا إلى أمره لهم بتركه إذا أحس الألم ويتوعدهم على التقصير في ذلك بالضرب والنكال الشديد ، فيفعلون به ذلك ، فهو مختار لقطع رجله ، إذ لو كره ذلك كراهية تامة لم يكرهه أحد على ذلك ، وهو بلا شك كاره لقطعها مضطر إليه ، إذ لو وجد سبيلا بوجه من الوجوه دون الموت إلى ترك قطعها لم يقطعها ، فهو مكره مجبر بالضبط من أعوانه له حتى يتم القطع والحسم ، إذ لو لم يضبطوه ويقسروه ويكرهوه لم يمكن قطعها البتة ، وإنما آتينا بهذا لئلا ينكر الجاهلون أن يوجد أحد مختارا من وجه ، ومكرها من وجه آخر ، مستطيعا من وجه ، عاجزا من آخر ، قادرا من وجه ، ممنوعا من آخر ، وبالله تعالى التوفيق.
الكلام في خلق الله تعالى لأفعال خلقه
قال أبو محمد : اختلفوا في خلق الله عزوجل لأفعال عباده ، فذهب أهل السنة كلهم ، وكل من قال بالاستطاعة مع الفعل ، كالمريسيّ وبرغوث والنجارية والأشعرية والجهمية ، وطوائف من الخوارج ، والمرجئة والشيعة إلى أن جميع أفعال العباد مخلوقة قد خلقها الله عزوجل في الفاعلين لها ، ووافقهم على هذا من المعتزلة موافقة صحيحة ضرار بن عمرو وصاحبه أبو يحيى حفص الفرد (١).
وذهب سائر المعتزلة ومن وافقهم على ذلك من المرجئة والخوارج والشيعة إلى أن جميع أفعال العباد محدثة ، فعلها فاعلوها ولم يخلقها الله عزوجل ، على تخليط منهم في ماهية أفعال النفس ، إلا بشر بن المعتمر عطف فقال : إنه ليس شيء من أفعال العباد إلا ولله عزوجل فيه فعل من طريق الاسم والحكم يريد بذلك أنه ليس للناس فعل إلا ولله تعالى فيه حكم بأنه صواب أو خطأ ، وتسميته بأنه حسن أو قبيح طاعة أو معصية.
قال أبو محمد : وقد أدى هذا القول الفاحش الملعون برجل من كبار المعتزلة ، وهو عبّاد بن سلمان (٢) تلميذ هشام بن عمرو الفوطيّ إلى أن قال : إن الله تعالى لم يخلق الكفار لأنهم ناس وكفر معا ، لكن خلق أجساهم دون كفرهم.
__________________
(١) أبو يحيى حفص الفرد. قال النسائي : صاحب كلام لا يكتب حديثه ، وكفّره الشافعي في مناظراته (لسان الميزان : ٢ / ٣٣٠).
(٢) أبو سهل عباد بن سلمان البصري المعتزلي. كان أبو علي الجبائي يصفه بالحذق في الكلام