المطلب الثالث : في أنّ صيغتي «ما» و «من» في المجازاة للعموم
ويدلّ عليه وجوه :
الأوّل : لو كان مشتركا ، لما حسن الفعل إلّا عند الاستفهام عن جميع الأقسام الممكنة ، لكنّه حسن ، فدلّ على عدم الاشتراك.
الثاني : يحسن استثناء كلّ واحد من العقلاء عن قوله : من دخل [داري] فأكرمه.
الثالث : لمّا نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)(١) قال ابن الزّبعرى (٢) : لأخصمنّ محمّدا ، ثمّ جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «يا محمّد أليس قد عبدت الملائكة؟ أليس قد عبد عيسى»؟ فتمسّك بالعموم ، ولم ينكره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى نزل [قوله تعالى] : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى)(٣).
لا يقال : السؤال خطأ لأنّ ما لما لا يعقل.
لأنّا نمنع ذلك ، لقوله [تعالى] : (وَالسَّماءِ وَما بَناها)(٤).
__________________
(١) الأنبياء : ٩٨.
(٢) هو عبد الله بن الزّبعرى ـ بكسر الزاء وفتح الباء وسكون العين وفتح الراء ـ شاعر قريش في الجاهلية ، كان من أشدّ الناس على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين ، ثمّ أسلم عام الفتح ، واعتذر ، ومدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم توفّي حدود سنة ١٥ ه. لاحظ الأعلام للزركلي : ٤ / ٨٧.
(٣) الأنبياء : ١٠١. نقل الطبرسي قصة ابن الزبعرى في مجمع البيان : ٧ / ١٠٢.
(٤) الشمس : ٥.