الثقلين ، ليسوا بأقلّ من مصاحب موسى عليهالسلام ، أو جليس سليمان ، فأي وازع من أن يقفوا على سنن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن طريق الإشراقات الإلهية.
الرابع : الاستنباط من الكتاب والسنّة
هذا هو الطريق الرابع ، فقد كانوا عليهمالسلام يستدلّون على الأحكام الإلهية بالكتاب والسنّة بوعي متميز يبهر العقول ويورث الحيرة ، ولو لا خشية الإطالة في المقام لنقلنا نماذج كثيرة من ذلك ، ونكتفي هنا بانموذج واحد وهو : قدّم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد ، فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : الإيمان يمحو ما قبله ، وقال بعضهم : يضرب ثلاثة حدود ، فكتب المتوكّل إلى الإمام علي الهادي عليهالسلام (١) يسأله ، فلمّا قرأ الكتاب ، كتب : يضرب حتى يموت ، فأنكر الفقهاء ذلك ، فكتب إليه يسأله عن العلة ، فكتب عليهالسلام : بسم الله الرحمن الرحيم. (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٢).
فأمر به المتوكل فضرب حتى مات. (٣)
إنّ الإمام الهادي ببيانه هذا شقّ طريقا خاصّ ا لاستنباط الأحكام من الذكر الحكيم ، طريقا لم يكن يحلم به فقهاء عصره ، وكانوا يزعمون أنّ مصادر
__________________
(١) الإمام العاشر وهو علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق عليهماالسلام.
(٢) غافر : ٨٤ ـ ٨٥.
(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٠٥.