المبحث الثاني : في حدّه
اختلف الناس في حدّه ، فقال القاضي أبو بكر (١) ، وارتضاه الغزّالي (٢) : إنّه الخطاب الدالّ على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدّم ، على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه.
فقولنا : «الخطاب» يشتمل اللّفظ والفحوى والمفهوم ، ويجوز النسخ بجميع ذلك ، فهو أولى من قولنا : «النصّ».
وقولنا : «على ارتفاع الحكم» لتناول الأمر والنّهي والخبر.
وقولنا : «بالخطاب المتقدّم» ليخرج ابتداء الأحكام ، لأنّ ابتداء إيجاب العبادات في الشرع ، يزيل حكم العقل من براء الذّمة ، ولا يسمّى نسخا ، لأنّه لم يزل حكم خطاب.
وقلنا : «لولاه لكان ثابتا» لأنّ حقيقة النسخ هو الرفع ، وإنّما يكون رافعا ، لو كان المتقدّم بحيث لو لا طريانه لبقي.
وقلنا : «مع تراخيه عنه» لأنّه لو اتّصل به ، كان بيانا ، لا نسخا.
واعترض (٣) من وجوه :
الأوّل : الخطاب الدالّ على الارتفاع ناسخ للحكم ، لا نسخ له ، فإنّ النسخ
__________________
(١) نقله عنه الآمدي في الإحكام : ٣ / ٧٣ ؛ والرازي في محصوله : ١ / ٥٢٦.
(٢) المستصفى : ١ / ٢٠٧.
(٣) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ٧٣ ؛ والرازي في محصوله : ١ / ٥٢٧.