المبحث الثاني : في جواز النسخ
اتّفق المسلمون على جواز النسخ عقلا ، وهو قول أرباب الشرائع إلّا بعض اليهود.
واتّفقوا على وقوعه سمعا ، إلّا ما نقل عن أبي مسلم بن بحر الأصفهاني ، (١) فإنّه أنكره سمعا ، وجوّزه عقلا وعن بعض اليهود أيضا ، وعن بعضهم جوازه عقلا ووقوعه سمعا. (٢)
لنا على الجواز : أنّ أفعاله تعالى إمّا أن تكون معلّلة بالأغراض والمصالح والحكم أو لا ، وعلى التقديرين ، فالجواز ظاهر.
أمّا على رأي النفاة ، كالاشاعرة ، فإنّه يفعل ما يشاء كيف يشاء ، ويغيّر ويبدّل على حسب إرادته ومشيئته ، فلا استبعاد حينئذ من أن يأمر بشيء ، وينهى عنه ، لتساوي نسبتهما إليه تعالى.
وأمّا على رأي المعتزلة ، فإنّ المصالح تتغيّر بتغيّر الأزمنة ، كما تتغيّر بتغيّر الأشخاص ، وكما جاز أن يأمر زيدا بشيء ، وينهى عمرا عنه ، في وقت واحد ،
__________________
(١) محمد بن بحر الأصفهاني ، أبو مسلم ، معتزليّ ، ولي أصفهان وبلاد فارس ، للمقتدر العباسي ، من كتبه : «جامع التأويل» في التفسير و «الناسخ والمنسوخ» وغيرهما ، ولد سنة ٢٥٤ ، وتوفّي سنة ٣٢٢ ه. لاحظ الأعلام للزركلي : ٦ / ٥٠.
(٢) وفي الحقيقة انقسمت اليهود إلى فرق ثلاث : فذهبت طائفة إلى امتناعه عقلا وسمعا ، وأخرى إلى امتناعه سمعا لا عقلا ، وقالت العيسوية منهم بجوازه عقلا ووقوعه سمعا.