المبحث الثالث : في أنّ النّهي قد يقتضي التكرار
اختلف الناس هنا ، فذهب الأكثر إليه ، وقال آخرون بعدمه.
والأقرب الأوّل ، لنا وجوه :
الأوّل : أنّ النّهي يقتضي منع المكلّف من إدخال الماهيّة المصدر في الوجود ، وهو إنّما يتحقّق إذا امتنع من إدخال كلّ فرد من أفرادها في الوجود ، إذ مع إدخال فرد من أفرادها يكون قد أدخل تلك الماهيّة في الوجود ، لاشتمال ذلك الفرد على تلك الماهيّة ، وهو ينافي قولنا : إنّه منع من إدخال تلك الماهيّة في الوجود.
قيل عليه (١) : الامتناع عن إدخال الماهية في الوجود ، قدر مشترك بين التّكرار وعدمه ، ولا دلالة للعامّ على ما به يمتاز كلّ واحد من القسمين عن صاحبه.
وفيه نظر ، لأنّ الامتناع عن الإدخال إنّما يتحقّق مع الدوام ، إذ مع عدمه يتحقّق الإدخال الممنوع منه.
الثاني : المفهوم في عرف اللّغة التناقض بين قولنا : اضرب ولا تضرب ، لاشتمال لا تضرب على كلّ مفهوم اضرب وزيادة حرف النّهي ، وقولنا : اضرب يفيد المرّة ، فلو كان لا تضرب كذلك ، لم يتناقضا ، فيجب العموم (٢).
__________________
(١) القائل هو الرازي في محصوله : ١ / ٣٤٠.
(٢) أي يجب أن يتناول النّهي كلّ الأوقات حتّى تتحقّق المنافاة.