خيّرنا بين فعله وفعل آخر ، لم يكن هذا التخيير نسخا ، لأنّه لم يغيّر حكما شرعيّا ، بل أزال حظر ترك ما أوجبه علينا ، إلّا أنّ حظر تركه كان معلوما بالبقاء على حكم العقل ، لأنّ قوله : «أوجبت هذا الفعل» يقتضي ترتّب استحقاق الذمّ على تركه ، وهذا لا يمنع أن يقوم مقامه واجب آخر ، وإنّما يعلم أنّ غيره لا يقوم مقامه ، لأنّ الأصل أنّه غير واجب ، ولو كان واجبا بالشرع لدلّ عليه دليل شرعيّ ، فصار علمنا بنفي وجوبه موقوفا على أنّ الأصل نفي وجوبه ، فالمثبت لوجوبه إنّما رفع حكما عقليّا ، فجاز إثباته بالقياس أو خبر الواحد ، ووافقه (١) المرتضى.
وفيه نظر ، لأنّه إذا أوجبه فإمّا على صفة التخيير أو التضييق ، فإن كان الأوّل لم يتجدّد شيء وخرج عن الفرض ، ولأنّه كان يجب عليه أن يبيّنه.
وإن كان الثاني ، فقد حرم عليه الترك ، وهو حكم شرعيّ ، فرفعه يكون نسخا.
ولأنّ الأمر إمّا للوجوب ، فيفيد حظر تركه شرعا ، وإمّا للندب فيفيد أولويّة الفعل ، فرفعهما رفع حكم شرعيّ.
وكذا إذا خيّر بين شيئين ، ثمّ خير بينهما وبين ثالث ، أمّا لو قال تعالى : هذا الفعل واجب وحده ، أو قال : لا يقوم غيره مقامه ، فإنّ إثبات بدل له فيما بعد ، يرفع حكما شرعيّا ، لأنّ قوله : «واجب وحده» صريح في نفي وجوب غيره ، فالمثبت لغيره يرفع حكما شرعيّا ، فلا يجوز بخبر الواحد والقياس.
__________________
(١) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٤١٢.