المبحث الثاني : في تحقّقه
المشهور ذلك ، لإمكان اطّلاع كلّ مجتهد على دليل حكم ما يعتقده ، وتتّفق الآراء على ذلك ويتحقّق الإجماع.
ومن الناس من أحال (١) ذلك فيما لا يعلم بالضرورة كاستحالة إجماعهم في الساعة الواحدة على مأكول واحد وكلام واحد ، وكما أنّ اختلاف العقلاء في الضروريّات محال ، فكذا اتّفاقهم في النظريات.
وهو خطأ ، فإنّ اتّفاقهم انّما يمتنع فيما يتساوى فيه الاحتمال كالمأكول المعيّن ، والكلمة المعيّنة ، أمّا ما يوجد فيه الرجحان عند قيام دلالة أو أمارة ظاهرة فهو غير ممتنع ، كالإجماع على نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وضروريّات شرعه ، واتّفاق طوائف المسلمين كلّ على مذهبه مع انتشارهم وتعدّدهم ، مع أنّ أكثر أقوالهم صادرة عن الأمارات.
وقيل (٢) : الاتّفاق يمكن ، لكن العلم به محال ، لأنّه ليس وجدانيّا ، للعلم الضروري بأنّ العلم باتّفاق أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على حكم ما ليس كالعلم بالشبع والجوع وغيرهما من الوجدانيّات ، ولا نظريّا ، إذ لا محال للعقل النظري في أنّ فلانا قال بكذا أو لا.
__________________
(١) قال الآمدي في الإحكام : ١ / ١٣٩ : المتّفقون على تصوّر انعقاد الإجماع اختلفوا في إمكان معرفته والاطّلاع عليه ، فأثبته الأكثرون أيضا ، ونفاه الأقلّون ، ومنهم أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، ولهذا نقل عنه انّه قال : من ادّعى وجود الإجماع فهو كاذب.
(٢) لاحظ المحصول : ٢ / ٤.