وترك التواضع لا يقدح في الإرادة على الإطلاق لاختلاف الإرادات ، فجاز أن يريد منه أكل طعامه إرادة لا يبلغ تقبيل قدمه لو لم يفعل إلّا به ، وجاز أن يبلغ فترك التقبيل يقدح في الثانية لا الأولى ، فلم قلتم إنّه تعالى أراد الطاعات إرادة تبلغ حد فعل اللطف؟ فإنّ التكليف تفضّل فلا يجب عليه أن يأتي بأقصى مراتب التفضّل ، وفرق بين فعل المفسدة وترك اللطف ، فإنّ الأوّل إضرار قبيح ، والثاني ترك نفع فلا يقبح.
سلّمنا وجوب اللطف لكن المحصّل أو المقرّب ، الأوّل مسلّم والثاني ممنوع ، فلم قلت إنّ الإمام لطف محصّل ، فإنّه لا يمكن القطع بأنّ عند وجود الإمام يفعل الإنسان الطاعة ويجتنب المعصية؟ نعم يكون أقرب ، ونمنع وجوب اللطف المقرّب على الله تعالى ، والضيف إنّما يجب عليه التواضع لو علم أو ظن الإجابة معه ، ولو علم عدمها لم يحسن منه التواضع فضلا عن وجوبه ، فحينئذ لا يبعد وجود زمان يعلم تعالى أنّ الإمام لا يكون لطفا محصلا فلا يجب نصبه فيه.
سلّمنا وجوب اللطف مطلقا ، لكن إذا أمكن لا بدونه ، فلو علم الله تعالى أنّ كلّ مخلوق في ذلك الزمان يكفر أو يفسق لم (يمكن خلق) (١) المعصوم فيه ، فلم قلت إنّه حينئذ لا يحسن التكليف؟ وإذا حسن التكليف في ذلك الزمان جوزنا في كلّ زمان أن يكون هو ذلك الزمان ، فلا يمكن القطع بوجوب الإمام في شيء من الأزمنة ، والتواضع إنّما يجب على
__________________
(١) في «ب» : يكن خلو.