البحث الرابع : في جواز اتّفاق أهل العصر الثاني
إذا اختلف أهل العصر الأوّل على قولين هل يجوز لأهل العصر الثاني الاتّفاق على أحدهما؟
الحق ذلك ، فإنّه يكون إجماعا يحرم مخالفته ويمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر.
وهو قول المعتزلة وكثير من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ، وقال أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو الحسن الأشعري والجويني والغزّالي وجماعة من الأصوليّين بامتناعه.
لنا : انّ إجماعهم ممكن للعلم بعدم استحالة صيرورة كلّ مجتهد الى ما صار إليه الآخر لظهور دليله عنده ، وإذا جاز ذلك للواحد جاز للجميع والعلم به ضروري ، وإذا جاز وقوع الإجماع كان حجّة لثبوت المقتضي وهي أدلّة الإجماع السالمة عن معارضة مانعية سبق الخلاف ، لتناول الأدلّة حال سبق الخلاف وعدمه ، ولأنّه إجماع حدث بعد ما لم يكن فيكون حجّة ، كما إذا حدث بعد تردّد أهل الإجماع فيه حال الفكر ، وهذا المقيس عليه ينقض أكثر أدلّة المخالف.
وبالجملة فالنزاع في ذلك ضائع ، لأنّه إمّا في وقوع الإجماع وإمكانه ، ولا شك فيه ولأنّه المقدّر ، وإمّا في كونه حجّة وأدلّة الإجماع تتناوله قطعا.