البحث الرابع : في أنّ إجماع المدينة ليس حجّة
هذا هو المشهور عند الناس كافّة عدا مالكا فإنّه قال : إنّ إجماع أهل المدينة حجّة. (١)
واختلف أصحابه فقال بعضهم : إنّه أراد ترجيح روايتهم على رواية غيرهم ، ومنهم من قال : أراد أنّ اتّباع إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، وقال بعضهم : أراد بذلك أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لنا وجوه :
الأوّل : أنّهم بعض المؤمنين وبعض الأمّة ، وأدلّة الإجماع وردت بلفظين : المؤمنين في آية المشاقّة ، والأمّة في غيرها ، وهما غير مختصّين ببلد دون آخر ، بل عامّة في الجميع فوجب اعتباره.
الثاني : الأمكنة غير مؤثرة في ترجيح الأقوال بالضرورة ، ولا يصير ما ليس بصواب صوابا ، ولا بالعكس.
الثالث : أنّه يؤدّي إلى المحال ، وهو أنّ من سكن المدينة كان قوله حجّة وإذا خرج لا يكون حجّة ، ومن كان قوله حجّة في مكان كان حجّة في كلّ مكان ، كالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) نقله عنه : السيد المرتضى في الذريعة : ٢ / ٦٤٣ ؛ وابن حجر في فتح الباري : ١٣ / ٢٥٦ ؛ والغزالي في المستصفى : ١ / ٣٥١ ؛ والرازي في المحصول : ٢ / ٧٨ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٢.