كلّ بلد مساو لها ، فإن كان ذلك دليلا جاز أن يقتصر في الإجماع على قول كلّ بلد ، وهو ممنوع.
واعلم أنّ الغزالي نقل عن مالك أنّ الحجّة في إجماع أهل المدينة خاصة ، وقال قوم : المعتبر إجماع الحرمين ـ مكة والمدينة ـ والمصرين ـ الكوفة والبصرة ـ. وعلّلوا بأنّ هذه المواضع جمعت أهل الحلّ والعقد. (١) وهو ممنوع ، فإنّ المجتهدين لم يزالوا منتشرين في البلاد المتباعدة ، ولا ينعقد الإجماع بدون اتّفاقهم.
البحث الخامس : في إجماع الخلفاء الأربعة
حكى أبو بكر الرازي عن القاضي أبي خازم (٢) من الحنفية أنّه كان يقول : إجماع الخلفاء الأربعة حجّة ، ولأجل هذا لم يعتد بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام ، وحكم بردّ أموال حصلت في بيت مال المعتضد إلى ذوي الأرحام وقبل المعتضد فتواه ، وأنفذ قضاءه ، وكتب به إلى الآفاق. وهو قول أحمد في رواية. (٣)
__________________
(١) المستصفى من علم الأصول : ١ / ٣٥١.
(٢) هو القاضي عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني البصري ، ثم البغدادي الحنفي. حدّث عن محمد بن بشار ومحمد بن المثنى وشعيب بن أيوب وطائفة ، وروى عنه مكرم بن أحمد وأبو محمد بن زبر ، ولي القضاء بالشام وبالكوفة وكرخ بغداد ، مات ببغداد سنة اثنتين وتسعين ومائتين. سير أعلام النبلاء : ١٣ / ٥٣٨ برقم ٢٧٢.
(٣) حكاه عنه أيضا الرازي في المحصول : ٢ / ٨٣ ، المسألة السادسة ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠٩ ، المسألة ١٢.