البحث الثالث : في احتجاج من ادّعى الاكتساب
احتجّ أبو الحسين (١) على أنّ خبر التواتر صدق بأنّه لو كان كذبا لكان المخبرون إمّا أن يخبروا مع علمهم بكونه كذبا ، أو لا معه. والتالي بقسميه باطل ، فالمقدّم مثله ، وإذا بطل كونه كذبا وجب أن يكون صدقا ، فكان مفيدا.
أمّا بطلان الأوّل ، فلأنّهم إن قصدوا الكذب لا لغرض ومرجّح لزم حصول الفعل عن القادر مع ثبوت الصارف ، وهو الكذب الّذي هو قبح ، وجهة القبح صارفة ، وانتفاء الدّاعي فرضا ، وهو محال.
وإن قصدوه لغرض ، فإمّا نفس كونه كذبا ، وهو محال ، لأنّه جهة صرف لادعاء ؛ وإمّا غيره ، فإمّا أن يكون دينيا أو دنيويا.
وعلى التقديرين فإمّا أن يكون رغبة أو رهبة.
وعلى التقديرات فإمّا أن يقال كلّهم كذبوا لداع واحد من هذه الأقسام ، أو يختلفون فيه.
وعلى كلّ التقديرات فإمّا أن تحصل تلك الدواعي بالمشافهة ، أو بالتراسل. والأقسام كلّها باطلة.
أمّا انتفاء داعية الدين فلأنّ قبح الكذب متّفق عليه بين الأديان ، سواء كان ذلك عقليا أو شرعيا ، فكان صارفا دينيا لا داعيا دينيا.
__________________
(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ٨٦ ـ ٨٨.