بيان الشرطية : أنّه لو وقع بقول أربعة ، ولا يقع بقول مثلهم مع تساوي الأحوال والقائلين والسامعين في جميع الشروط ، لم يمتنع أن تخبرنا قافلة الحاج بوجود مكة فنعرفها ، ثمّ يخبروننا بأعيانهم بوجود المدينة ولا نعرفها ، ولمّا بطل ذلك ، صحّ قولنا.
وأمّا بطلان التالي ، فلأنّه لو وقع العلم بخبر كل أربعة إذا كانوا صادقين لكان إذا شهد عند الحاكم أربعة بالزنا ، فإن حصل العلم بخبرهم كانوا صادقين واستغنى القاضي عن الاستزكاء ، وإن لم يحصل قطع بكذبهم فاستغنى عن الاستزكاء أيضا ، ولمّا لم يكن كذلك ، بل أجمعوا على إقامة الحدّ وإن لم يعلم القاضي صدقهم ، علمنا أنّ العلم لا يحصل بخبر الأربعة.
اعترض (١) بمنع الملازمة ، ولا يلزم من حصول العلم بقول أربعة حصوله بقول كلّ أربعة.
لأنّ العلم عقيب الإخبار من قبله تعالى فجاز أن لا يخلق العلم عند أربعة ويخلقه عند أربعة أخرى غيرها ، ولا يستمر العادة في ذلك على قانون واحد ، وإن استمرت في إخبارات الجماعات الكثيرة ، كما أنّ التكرار على البيت الواحد ألف مرة سبب الحفظ مطردا ، وتكراره مرتين أو ثلاثا قد يكون سبب لحفظه وقد لا يكون.
سلّمنا انّ اطّراد العادة في شيء يقتضي اطّرادها في مثله ، لكن لا يلزم من حصول العلم عقيب رواية أربعة حصوله عقيب شهادتهم ؛ فإنّ الشهادة
__________________
(١) ذكر الاعتراض والجواب عنه الرازي في المحصول : ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠.