البحث الخامس : في الخبر المعارض بالقياس
اعلم أنّ أكثر علمائنا وجماعة من غيرهم منعوا من العمل بالقياس مطلقا ، وهؤلاء لا نزاع معهم لوجوب العمل بالخبر وإن عارضه القياس ، لأنّه لا يصلح للمانعية ؛ وعند آخرين من علمائنا وغيرهم جواز العمل بالقياس إذا نصّ على علّته ؛ وعند آخرين العمل به مطلقا ، والنزاع بين هؤلاء.
فنقول : خبر الواحد والقياس إذا تعارضا ، فإن أمكن تخصيص أحدهما بالآخر خصّ به. أمّا الخبر فظاهر ، وأمّا القياس فعند من يجوز تخصيص العلّة يجمع بينهما ، ومن منع كان حكم الخبر المخصّص للقياس كالمنافي له. وإن لم يمكن الجمع بينهما ولو بوجه ما ولا اقتضى أحدهما تخصيص الآخر ، تنافيا بالكلية ، وكان كل واحد منهما مبطلا لكلّ مقتضيات الآخر ، فأصل ذلك القياس إن ثبت بذلك الخبر قدّم الخبر إجماعا ؛ وإن كان قد ثبت بغيره ، فالقياس يستدعي ثبوت حكم الأصل والتعليل بالعلّة المخصوصة وحصولها في الفرع.
فإن كان كلّ من الثلاثة قطعيّا ، قدّم القياس على الخبر قطعا ، لاقتضائه القطع واقتضاء خبر الواحد الظنّ ، ومفيد القطع مقدّم على مفيد الظن.
وإن كان كلّ من الثلاثة ظنيّا ، قدّم الخبر ، لأنّ الظن إذا قلّ كان أولى بالاعتبار.
وإن كان البعض قطعيا والبعض ظنّيا ، فقد اختلفوا فقال الشافعي