البحث الثاني : في أركانه
قد عرفت أنّ القياس هو تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلّة متّحدة فيهما ، فلا تتحقّق ماهيته إلّا بهذه الأمور الأربعة ، لأنّه نسبة بين شيئين هي التساوي لا من كلّ وجه ، بل في الحكم الشرعي لا مجازا ، بل لجامع صالح للتعليل فالأمور الأربعة ضرورية :
أ. الأصل ، ب. الفرع ، ج. العلّة ، د. الحكم. فإذا قسنا النبيذ على الخمر في التحريم فأصل القياس إمّا أن يكون هو الحكم الثابت في الخمر ، أو علّة ذلك الحكم ، أعني : الباعث عليه وهو الإسكار المناسب له ، أو النصّ الدال على ثبوت ذلك الحكم.
فالفقهاء جعلوا الأصل اسما لمحلّ الحكم المنصوص عليه ، وهو الخمر ؛ والمتكلّمون جعلوه اسما للنصّ الدال على ثبوت ذلك الحكم.
ويضعف قول الفقهاء (١) بأنّ أصل الشيء ما تفرع عليه غيره ، والحكم المطلوب إثباته في النبيذ ليس متفرعا عن الخمر ، لأنّ الخمر لو لم يوجد فيه ذلك الحكم وهو التحريم لم يمكن تفريع التحريم في النبيذ عليه ؛ ولو وجد ذلك الحكم في صورة أخرى ولم يوجد في الخمر أمكن تحريم النبيذ عليه ، فالحكم المطلوب إثباته غير متفرّع على الخمر ، بل على الحكم الحاصل فيه.
__________________
(١) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ٢٤١.