الثالث : انّما يتمّ القياس إذا سلّم أنّ الأصل بقاء كلّ شيء على ما كان عليه ، إذ لولاه لم يعلم بقاء التكليف بالقياس ليكلّف (١) به ، ولما عرف بقاء حكم الأصل فالحكم الثابت بالقياس إن كان نفيا فلا حاجة فيه إلى القياس ، لأنّا علمنا أنّ هذا الحكم كان معدوما في الأزل ، والأصل بقاؤه فيحصّل ظن ذلك العدم ، فيكون إثبات ذلك الظن بالقياس مرّة أخرى عبثا.
لا يقال : ثبوته بدليل لا يمنع ثبوته بآخر.
لأنّا نقول : مسلم ، لكن بشرط أن لا يفتقر الدليل الثاني إلى الأوّل ، أمّا إذا افتقر فلا ، لأنّه يكون تطويلا من غير فائدة.
وإن كان إثباتا وقد سبق أنّ الأصل البقاء ، واستلزامه ظن عدم الحكم لسبق العدم ، فلو اقتضى القياس ثبوته مع أنّ القياس متفرّع على أصالة البقاء ، لزم التعارض بين أصالة البقاء الّذي هو الأصل والقياس الّذي هو الفرع ، ومثل هذا التعارض يقتضي ترجيح الأصل على الفرع ، فيبطل القياس.
الرابع : القياس إنّما يفيد ظن الحكم لو ظننا كونه في الأصل معلّلا بالوصف ، والتالي باطل (٢) بما يأتي من استحالة تعليل الأحكام الشرعية.
وهذه الوجوه الثلاثة (٣) حجج من أنكر إفادة القياس الظن ومنعوا من القياس في جميع الشرائع.
__________________
(١) في «ب» و «ج» : لو كلّف.
(٢) العبارة في المحصول : ٢ / ٢٩٦ كما يلي : أنّ القياس لا يفيد ظنّ الحكم إلّا إذا ظننّا كون الحكم في الأصل معلّلا بالوصف الفلاني ، وذلك الظن محال.
(٣) ذكرها الرازي أيضا في المحصول : ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.