المبحث السّادس : في جواز نسخ الأمر المقيّد بالتأبيد
ذهب بعض الناس إلى أنّ الله تعالى لو قال لنا : «افعلوا هذا الفعل أبدا» لم يجز نسخه.
والحقّ ، خلافه ، كما ذهب إليه الأكثر لوجوه :
الأوّل : لفظ التأبيد يقتضي استغراق الأزمنة المستقبلة ، كما يقتضي لفظ العموم استغراق الأشخاص المندرجة تحته ، وكما جاز إخراج بعض الأشخاص بلفظ يقتضي التخصيص ، كذا جاز إخراج بعض الأزمنة بلفظ يقتضي النسخ ، والجامع هو الحكمة الداعية إلى جواز التخصيص.
الثاني : النسخ إنّما يرد على عبادة أمر بها بلفظ يفيد الاستمرار ، أو دل الدليل على أنّ المراد به الاستمرار ، لامتناع وروده على المرّة الواحدة ، ولفظ «التأبيد» كغيره من الأدلّة والألفاظ المفيدة للاستمرار ، فكما جاز دخول النسخ على هذه الألفاظ ، إمّا بمقارنة إشعار النسخ لها ، أو من غير مقارنة ، على اختلاف المذهبين ، كذا جاز دخوله على لفظ «التأبيد» ولا معنى للفرق بينهما.
الثالث : العادة في لفظ التأبيد المستعمل في الأمر ، المبالغة في طول الزمان لا الدوام ، فإنّه المفهوم من قول القائل : «لازم فلانا أبدا» ، أو «أحبسه أبدا» أو «امض إلى السوق أبدا».