صدّهم عمّا كان يعبد آباؤهم ، لما بينهم من المشابهة في البشرية ، ولم ينكر عليهم ، وذلك هو القياس.
والاعتراض من وجهين :
أ. نمنع عدم الإنكار ، لأنّ الآية إنّما خرجت مخرج الإنكار لقولهم لقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(١).
ب. سلّمنا أنّه قياس في الأمور العقلية ، فلا يلزم مثله في الأحكام الشرعية إلّا بطريق القياس أيضا ، وهو محال.
الخامس (٢) : لمّا بعث معاذا قاضيا إلى اليمن قال : «بم تحكم؟» قال : بكتاب الله ، قال : «فإن لم تجد؟» قال : بسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد؟» قال : اجتهد رأيي ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أقرّه على ذلك وقال : «الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله» (٣).
واجتهاد الرأي لا بد وأن يكون مردودا إلى أصل وإلّا كان مرسلا ، والرأي المرسل غير معتبر ، وذلك هو القياس.
ولمّا بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال : «بم تقضيان؟» فقالا : إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا في السنّة قسنا الأمر بالأمر فما كان أقرب إلى
__________________
(١) إبراهيم : ١١.
(٢) ذكره الآمدي في الإحكام : ٤ / ٣٦ ، والرازي في المحصول : ٢ / ٢٥٤.
(٣) مسند أحمد : ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ؛ سنن الدارمي : ١ / ٦٠ ؛ سنن أبي داود : ٢ / ١٦٢ برقم ٣٥٩٢ ؛ سنن الترمذي : ٢ / ٢٩٤ برقم ١٣٤٢.