وإن كانت مفسدة المانع مرجوحة ، فقد قيل بانتفاء الحكم له ، ولو لا مناسبته للانتفاء لما انتفى الحكم به ، فإنّه لو جاز أن ينتفي الحكم بما ليس بمناسب ، لجاز أن يثبت بما ليس بمناسب.
المطلب الرابع : في أنّ المناسبة هل تدلّ على العلية أم لا؟ (١)
ذهب القائسون إلى أنّ المناسبة والاعتبار يدلّ على كون الوصف علّة ، لأنّ المناسبة تفيد ظن العلّية لوجهين :
الأوّل : أنّه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد ، وهذه مصلحة ، فيحصل ظنّ أنّه تعالى إنّما شرعه لهذه المصلحة. فالمقدّمات ثلاث ، ويدلّ على الأوّل وجوه :
أ. أنّه تعالى خصّص الواقعة المعيّنة بالحكم المعيّن لمرجّح لاستحالة ترجيح أحد المتساويين لا لمرجّح ، فذلك المرجّح يستحيل عوده إليه تعالى إجماعا ، فهو عائد إلى العبد وليس مفسدة له ولا ما ليس بمصلحة ولا مفسدة إجماعا ، فهو لمصلحة العبد.
ب. أنّه تعالى حكيم إجماعا ، فلا يفعل إلّا لمصلحة وإلّا لكان عابثا ، والعبث على الله تعالى محال ، لقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(٢) ،
__________________
(١) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٣٢٧.
(٢) المؤمنون : ١١٥.