وأمّا على رأي المعتزلة فلأنّ جهات المصالح إنّما تقتضي الإيجاب عليه تعالى لو خلا الفعل في نفس الأمر عن المفاسد ، ولا يلزم من حصول المصلحة المعيّنة انتفاء المفاسد ، ولا من عدم العلم بها انتفاؤها ، فجاز أن يشتمل التعليل بما ذكروه على نوع مفسدة ، فلا يصدر منه تعالى.
وعند هذا ظهر صحّة ما قلناه من بطلان القياس إلّا مع النصّ على العلّيّة.
البحث الخامس : في المؤثر (١)
وهو أن يكون الوصف مؤثرا في جنس الحكم في الأصول دون وصف آخر ، فيكون أولى بأن يكون علّة من الوصف الذي لا يؤثر في جنس ذلك الحكم ولا في عينه ، وذلك كالبلوغ الذي يؤثر في رفع الحجر عن المال فيؤثّر في رفع الحجر عن النكاح دون البنوّة ، لأنّها لا تؤثر في جنس هذا الحكم وهو رفع الحجر. وكقولهم : إذا قدّم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب في الميراث فينبغي أن يقدّم في ولاية النكاح.
لا يقال : لم قلتم إنّ الأخوّة من الأبوين لمّا أثّرت في التقديم في الإرث أثّرت في التقديم في النكاح.
لأنّا نقول : بيّنوا ذلك بالمناسبة أو بأن لا فارق بين الأصل والفرع إلّا كذا ، وهو ملغى. فهذا الطريق لا يتمشى إلّا بطريق المناسبة والسبر.
__________________
(١) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٣٤٤.