البحث الثامن : في السبر والتقسيم
اعلم أنّ التقسيم إن كان منحصرا في طرفي النقيض كان حقّا ، كما يقول : الحكم إمّا معلّلا ، أو لا. فإن كان معلّلا فإمّا بالوصف الفلاني ، أو بغيره ويبطل الاقسام إلّا التعليل بالمدّعى ، وهذا هو المعوّل عليه في معرفة العلل العقلية.
وقد يوجد مثل ذلك في الأمور الشرعية ، كما لو ثبت الإجماع على أنّ حرمة الربا معلّلة ، وعلى انحصار علّتها في المال أو القوت أو الكيل أو الطعم ثمّ تبطل الثلاثة الأول ، فيتعيّن الرابع.
وأمّا التقسيم الّذي لا يدّعى الحصر فيه فإنّه يكون منتشرا كما إذا لم يدّع الإجماع ، بل يقال : الحكم إمّا معلّل أو لا. والتالي باطل ، لأنّه خلاف المتعارف من أنّ الحكم لا يخلو عن علّة إمّا على جهة الوجوب كما يقول المعتزلة ، أو على جهة الإمكان كما يقول الأشاعرة. (١)
وبتقدير جواز خلوّه عن العلّة يكون الخلو على خلاف الغالب المألوف من شرع الأحكام ، وهو يدلّ ظاهرا على تعليل الحكم ، فتلك العلّة ، إمّا ظاهرة أو خفيّة.
والثاني باطل ، وإلّا لكان الحكم تعبّدا ، وهو خلاف الأصل لوجوه (٢) :
__________________
(١) كما ذكره الآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٨٩ ؛ المسلك الرابع.
(٢) ذكره الآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٨٩.