المطلب الرابع : في الكسر
وهو تخلف الحكم المعلّل عن معنى العلّة ، وهو نقض يرد على المعنى دون اللفظ ، وهو الحكمة المقصودة من الحكم ، كما يقول في صلاة الخوف : صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها قياسا على صلاة الأمن ، فيظنّ المعترض أنّه لا تأثير لكون العبادة صلاة في هذا الحكم ، وأنّ المؤثّر هو وجوب القضاء ، فينقضه بصوم الحائض ، فإنّه يجب قضاؤه ولا يجب أداؤه.
وفيه نظر ، فإنّ هذا مثال النقض المكسور ، وسيأتي.
وكقول الحنفي في مسألة العاصي بسفره فسافر ، فوجب أن يترخّص في سفره كغير العاصي ويبين مناسبة السفر بما فيه من المشقّة.
فيقول المعترض : ما ذكرته من الحكمة وهي المشقة ، منتقضة ، فإنّها موجودة في حقّ الحمال وأرباب الصنائع الشاقة في الحضر ، مع أنّه لا رخصة.
واختلفوا في أنّه هل هو مبطل للعلّة؟
والوجه أنّ الكلام إنّما هو مفروض في الحكمة التي ليست منضبطة بنفسها بل بضابطها ، ولا يخفى أنّ مقدارها لا ينضبط ، بل يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال. وعادة الشرع في مثل هذا الرد إلى المظان الظاهرة الجليّة دفعا لعسر التميز والتخبط في الأحكام. فحينئذ يمتنع التعليل بها دون ضابطها ، وإذا لم يكن علّة فلا معنى لإيراد النقض عليها.