الاعتراض الثالث : فساد الوضع
ويشبه أن يكون حاصله يرجع إلى المنازعة دلالة الدليل في محلّ الاستدلال بعد الموافقة على كونه دليلا في جنسه ، وقد ضرب له أمثلة ثلاثة (١) :
الأوّل : دعوى وقوعه فيما لا يمكن تعليله ، كما إذا استدلّ الشافعي في الحدود والكفّارات على الحنفي فإنّ له أن يقول : القياس إنّما هو فرع تعقّل العلّة في الأصل ، وحكم الأصل غير معقول.
الثاني : دعوى وقوعه في مقابلة النص فيكون باطلا ، إذ الظن المستفاد من النصوص أكثر من الظن المستفاد من الأقيسة ولا وجه للاحتجاج به.
الثالث : دعوى إشعار الوصف بنقيض الحكم ، كما لو قيل في مسألة النكاح بلفظ الهبة : ما ينعقد به غير النكاح لا ينعقد به النكاح كالإجارة. وفي معنى هذا كلّ تعليل أوجب تلقّي التوسع من التضييق ، والتخفيف من التغليظ ، والإثبات من النفي ، وبالعكس بأن يقول ما ذكرته يشعر بنقيض حكمك ، لأنّ انعقاد غير النكاح نقيض انعقاد النكاح به ، لا عدم الانعقاد ، فإنّ الاعتبار يقتضي الاعتبار لا عدمه.
وعلى هذا فكلّ فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، وليس كلّ فاسد الاعتبار فاسد الوضع ، لأنّ القياس قد يكون صحيح الوضع وإن كان اعتباره فاسدا
__________________
(١) راجع الإحكام : ٤ / ٧٦ ـ ٧٧.