المجموع أقوى من الاستحسان كما في هذه المسألة ، فإنّه تعالى أقام الركوع مقام السّجود في قوله : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ)(١). وهذا الحدّ يقتضي كون الشريعة بأسرها استحسانا ، لأنّ مقتضى العقل هو البراءة الأصلية ، وإنّما يترك ذلك لدليل أقوى منه ، وهو نصّ أو إجماع أو قياس. وهذا الأقوى في حكم الطارئ على الأوّل ، فيكون الكلّ استحسانا ، وهم لا يقولون بذلك ، لأنّهم يقولون : تركنا القياس للاستحسان ، وهو يقتضي المغايرة بينهما ، فالواجب أن يزاد في الحد قيد آخر فيقال : ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية ، والعمومات اللفظية ، لوجه أقوى منه ، وهو في حكم الطارئ على الأوّل. (٢)
البحث الثاني : في أنّه ليس بحجّة
اختلف الناس في ذلك فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّه حجّة. وبه قال أحمد بن حنبل. وأنكره الإمامية (٣) والشافعي وباقي الجمهور (٤) حتى
__________________
(١) ص : ٢٤.
(٢) راجع المحصول : ٢ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.
(٣) رأي الإمامية في الاستحسان هو : إنّ المجتهد إذا استند إلى ما يستقل به العقل من حسن العدل وقبح الظلم ، أو إلى دليل شرعي فلا إشكال في كونه حجة ، لأنّه أفتى بالدليل لا بمجرّد الاستحسان ؛ وأمّا إذا استند لمجرد استحسان فكره وذوقه فهو تشريع باطل ومحرّم. فالاستحسان ليس له قيمة في مجال الإفتاء ، بل الاعتبار بالدليل ، فلو كان هناك دليل للعدول فالمنكر والمثبت أمامه سواء ، وإن لم يكن فلا وجه للعدول. راجع الوسيط في أصول الفقه للعلّامة السبحاني : ٢ / ٧٩ ـ ٨٠.
(٤) وهو مختار الرازي في المحصول : ٢ / ٥٦١ حيث قال : اتّفق أصحابنا على إنكار الاستحسان. وراجع الإحكام : ٤ / ١٦٢.