البحث الخامس : في الجمع بين الأدلّة المتعارضة
إذا تعارض دليلان لم يمكن العمل بكلّ منهما من كلّ وجه وإلّا فلا تعارض بل لا بدّ من إبطال أحدهما من كلّ وجه أو من بعض الوجوه ، أو إبطالهما معا من كلّ وجه أو من بعض الوجوه. فإن أمكن العمل بكلّ منهما من وجه دون وجه كان أولى من العمل بأحدهما وإبطال الآخر بالكلية ، لأنّ دلالة اللفظ على جزء المفهوم تابعة لدلالته على كلّ مفهومه الّتي هي دلالة أصلية. فإذا عمل بكلّ منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التبعية ، وإذا عملنا بأحدهما دون الثاني فقد تركنا العمل بالدلالة الأصلية ، والأوّل أولى.
فالعمل بكلّ منهما من وجه دون وجه أولى من العمل بأحدهما من كلّ وجه دون الثاني.
وفيه نظر ، لأنّ العمل بكلّ منهما من وجه دون وجه عمل بالدلالة التبعية وإبطال للأصلية من الدليلين ، والعمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدلالة الأصلية والتبعية في أحد الدّليلين وإبطال لهما في الآخر ، ولا شكّ في أولوية العمل بأصل وتابع على العمل بالتابعين وإبطال الأصلين.
إذا تقرر هذا فنقول : العمل بكلّ منهما من وجه على أقسام ثلاثة (١) :
الأوّل : الاشتراك والتوزيع إن كان قبل التعارض يقبل ذلك.
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠.