لا يكون لهذا القسم من الموجودات مادّة أصلا حتّى تكون قابلة للتغيّر والفساد. وإمّا مبنيّ على أنّ الله تعالى لكرامته على المؤمنين يخلق ما يشتهونه فيحضره لديهم ، فعلى هذا وإن سلّمنا كون مادّة له ، لكنّا نقول إنّ تلك المادّة لكونها من جنس الموجودات الاخرويّة لعلّها لطيفة في الغاية روحانيّة جدّا ، بعيدة عن الكثافة التي هي منشأ لسنوح التغيّر والزوال ، وأنّ الموجود الذي تلك المادّة مادّته يمكن أن يكون باقيا بشخصه أيضا كما في الحور والقصور ونظائرهما. وعلى تقدير تسليم كونها قابلة لطروء الزوال في الجملة فذلك الموجود باق بنوعه كما في الاكل ونحوه.
وبالجملة فموجودات النشأة الاخرى مباينة بالحقيقة لموجودات النشأة الدنيا ، وكذا زمانها ومكانها بل لا نسبة لها إليها فلذا لا يمتنع فيهما وجود غير المتناهي مطلقا ، لعدم التزاحم والتضايف والمباينة والمسامّة والتداخل وأمثالها فيها. وسيأتي زيادة توضيح لهذا إن شاء الله تعالى.
وهذا هو الكلام في جملة النشأة الاخرويّة بما فيها.
[الكلام في النشأة الدنيوية]
وأمّا الكلام في النشأة الدنيوية بأبعاضها وأجزائها المخصوصة. فحريّ بنا أن نتكلّم أوّلا فيما نحن بصدد بيان حاله من البدن والنفس وفنائها أو بقائها ، ثمّ نتكلّم في باقي أجزاء هذه النشأة على الخصوص.
فنقول : أمّا البدن ، فلا سترة في أنّ المشاهدة والعيان والعقل والنقل ، دلّت على موته وهلاكه ، وقد أشرنا فيما سبق إلى سبب طروء الموت على البدن على رأي الطبيعيّين ، والإلهيّين من الحكماء ، وإلى كيفيّة وقوعه عليه على كلّ مذهب من المذاهب التي قيلت في الجسم ، وإلى أنّه على جميع المذاهب ، لا يستلزم انعدامه بالكلّية وهلاكه بالمرّة ، ومع ذلك فلا بأس بإعادة البيان.
فنقول : إنّه قد عرفت أنّه على مذهب القائلين بالجواهر الفردة ، أو بالأجسام الصغار الصلبة ، إنّما ينعدم بالموت التأليف الخاص الحاصل بين تلك الأجزاء أو بين تلك الأجسام فقط ، ولا يستلزم ذلك انعدام أصل تلك الأجزاء والأجسام المتفرّقة ، إذ لا ضدّ لها